ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ثم قام الخيري النمام فقال: والذي أعطاه الفضل دوني، ومد له بالبيعة يميني، ما اجترأت قط إجلالا له، واستحياء منه. على أن أتنفس نهارا، أو أساعد في لذة صديقا أو جار. فلذلك جعلت الليل سترا، واتخذت جوانحه كنا.
فلما رأت استواء آرائها على التفضيل له، واعتدال مذاهبها في الدعاء إليه قالت: إن لنا أصحابا، وأشكالا وأترابا، لا نلتقي بها في زمن، ولا نجاورها في وطن، فهلم فلنكتب بذلك كتابا، ولنعقد به حلفا، ولنضع من شهادتنا ما يحتمل في الأقاصي والأداني عليه.
نسخة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما تحالفت عليه أصناف الشجر، وضروب الزهر، وسميها وشتويها، وربيعها وقيظيها، حيث ما نجمت من تلعة أو ربوة، وتفتحت من قرارة أو حديقة، عندما راجعت من بصرها، وألهمت من رشادها، واعترفت بما سلف من هفواتها، وأعطت للورد قيادها، وملكته أمرها، وأخلصت له محبتها، وعرفت أنه أميرها المقدم بخصاله فيها، والمؤمر بسوابقه عليها، واعتقدت له السمع والطاعة، والتزمت له الرق العبودية، وبرئت من كل نور نازعته نفسه المباهاة له، والانتزاء عليه في كل وطن، ومع كل زمن، فأية زهرة قص عليها لسان الأيام هذا الحلف، فلتعرف أن رشادها فيه، وقوام أمرها به، ولتحمد الله كثيرا على ما هداها إليه، واستنقذها من الضلال بتبصرته، ولتشهده على اعتقادها، والله شاهد على الجميع.
شهادة النرجس: [الرمل]
شهد النرجس والله يرى ... صحة النيات منها والمرض
أن للورد عليه بيعة ... أكدت بيعة فما أن تنقض
شهادة البنفسج: [الكامل]
شهد البنفسج أنه ... للورد عبد تملك
يسعى بقلب ناصح ... في حبه مستهلك
شهادة البهار: [الكامل]
شهد البهار وذو الجلالة عالم ... بصحيح ما يبدي وما يخفيه
أن الإمارة في الأزاهر كلها ... للورد لا يؤتى له بشبيه
شهادة الخيري النمام: [الرمل]
شهد الخيري برا صادقا ... قولة أبعد عنها الدرك
أن أزهار الثرى أجمعها ... أعبد والورد فيها ملك
هذا يا سيدي ما انتهى في المعنى إلي، ففضلك في تصفحه، والتجاوز عما وقع من زلل في نقله، فأنت السابق الذي نجري في غباره، ونهتدي بمناره، ولولا علمي بموقع هذه الملح منك لم أجشمك مؤونة النظر فيما كتبت منها لك إن شاء الله.
قال أبو الوليد إسماعيل بن محمد بن عامر: ولي رسالة أردفتها على هذه مشتملة على وصف سبعة أنوار على ما انتهت إليه غاية اختياري وغرضي في الرد بتفضيل البهار على الورد خاطبت بها ذا الوزارتين القاضي سيف الحق الماضي_كبت الله أعداؤه، وأدام عليهم إعداءه_وهي: "يا مولاي الذي رقه لي شرف، وجوده علي سرف، ومن أبقاه الله لرفع شأن ودود، ووضع شأن حسود".
كان من اجتماع بعض النواوير، واتفاق طائفة من الأزاهير على تقديم الورد عليها، وتفضيله بينها، وتخيره للخلافة منها ما قد وقفت عليه ونظرت إليه مما عني بجمعه وانفرد لذكوره أبو حفص بن برد الوزير الكاتب، وسراج الأدب الثاقب، وكانت النواوير المتفقة عليه، والداعية حينئذ إليه: البنفسج والخيري النمام والبهار، والنرجس الأصفر، وكتبت كتابا إلى صنوف الأنوار، وضروب الأزهار، تأمره بالوقوف عند ما وقفت، والاتفاق على ما اتفقت.
فأول من رأى الكتاب، وعاين الخطاب، نواوير فصل الربيع التي هي جيرة الورد في الوطن، وصحابته في الزمن، فلما قرأته أكبرت ما فيه، وبنت على ما هدم مبانيه، وبعض معانيه، وعرفت الورد بما عليه فيما نسب إليه من استحقاقه ما لا يستحقه واستئهاله ما لا يستأهله، وقالت له: "من مدح أمرأً بما ليس فيه فقد بالغ في هجائه" وبينت ذلك له بيانا رأى الرشد فيه عيانا، وأجمعت على مجاوبة مكاتيبها، ومراجعة مخاطيبها بما بدا لها من سوء تدبيرها، وضعف رأيها، ثم رأت أن عنه رأي غير مرضي. فكتبت إلى الأقحوان والخيري الأصفر إذ هما يجاوران تلك في أوطانها ويصاحبانها في أزمانها.
ونسخة الكتاب
من نواوير فصل الربيع الأزهر إلى الأقحوان والخيري الأصفر
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 16