ومن إساءة أهل السوء إحسانا
كأن ربك لم يخلق لخشيته
سواهم من جميع الناس إنسانا
كما أخشى أن يصبح شعراؤنا وما يحسنون غير الهزل، ولا يجيدون سوى المجون.
5
في مصر اليوم جماعة من الشعراء، تغنوا كثيرا في الليالي الخوالي، يوم كان الناس يسمرون في المنازل، ويسهرون في البيوت، وكان الرجل يعرف بالشعر، ويوصف بالأدب، لبيت يقوله في تحية رب القصر، أو تكريم السامرين، وربما وصف بالعبقرية لطرفة ينسبها إلى دعبل، أو حديث ينقله عن أبي نواس.
ثم قضى الله أن يرسل إلى بعض القلوب رسول الوطنية، فانتقل الشعر من الخصوصيات إلى العموميات، إلا أن الشعراء كانوا - مع ذلك - مقيدين بقيود من الرياء، فكان حافظ إبراهيم لا يطرب للشعر، ولا يخف له، إلا بحضرة الأستاذ الشيخ محمد عبده.
وكان أحمد نسيم يمزج وطنياته بمدح محمد بك هلال، وكان شوقي يشوبها بمدح صاحب السمو أمير البلاد.
وكنت لا تسمع للشعراء شيئا غير ما يدعون إليه يوم الاحتفال بفتح مدرسة، أو تشييد معهد، «أو فتح بار كما فعل فلان!» إلى غير ذلك مما يساق إليه الشعراء سوقا، بدافع الشهرة، أو دافع المال.
وكانت الأحزاب قد كثرت في مصر، فكان لكل حزب شاعر ولكل شاعر أشياع، فتنافرت الآراء وتناكرت الأهواء؛ إذ كان الشعراء يستمدون وحيهم من سادتهم وكبرائهم، وكان سادتهم منشقين مختلفين، فكانوا يضلونهم سواء السبيل.
Bog aan la aqoon