1
ينظر إلى بابها الغربي - باب القمر - نظرة الغيظ والحنق بأن هذا الباب شهد هزيمة جنوده وفناء جموعه، ويعجب كيف تقوى الأخشاب - ولو كان مصفحة - على مقاومة الألوف من الجنود، والألوف من الأحجار التي كانت مجانيقه ترميه بها؛ لتكسر مصاريعه أبد الأشهر الثمانية التي قضاها حتى الآن في محاولته فتحه، وأخذ يتخيل في عجزه وضيقه أخيلة لفتح الباب ليس تحقيقها في مقدور إنسان، ولكنها أخيلة مما يزيد به العقل يأس اليائس؛ فيقول: لو كان في الطاقة أن يكون في قدرة المجانيق رمي قذائفها فوق الباب والسور، وتنعطف هذه القذائف وتلتوي في سيرها، ثم تجري بعد ذلك راجعة في خط مستقيم؛ لتضرب الباب من الداخل حين تضربه قذائف أخرى من الخارج لأمكن دقه وتهشيمه، ولكنه كان لا يقف عند هذه الأمنية ليتأملها ؛ بل ينتقل إلى أمنية أخرى فيقول: لو كانت الزلازل تأتي فتهز الأرض هزة تتشقق على أثرها جدران السور أو تندك؛ لوجد الإنسان إلى الإسكندرية ألف باب يدخل منها، ولكنه كان يقف عند هذه الأمنية مدة أطول من وقوفه عند الأولى فقد قال له بعض القساوسة اليعقوبيين الذين بكروا إليه يرفعون آيات ولاء اليعقوبية لممثل ناصرها الأعظم كسرى أبرويز زوج مارية التقية النقية التي عرفت دين الحق فأعلنته، وأخذوا يتبارون عنده بالعلم بتاريخ البطارقة والأديار: إن جزيرة أنتررود
2
وأخواتها من الجزيرات التي كانت عليها قصور البطالسة قد هبطت في البحر هي وبعض الشاطئ القريب بفعل الزلازل. فقال السلار في نفسه: لماذا لا تهبط الأسوار كذلك بفعل زلزال شديد، أو غير شديد ما دام يشقق السور ولو قليلا، حتى إذا ضرب الشقوق بالمجانيق تناثرت أحجارها، وهيأت له طريقا؛ بل طرقا ينصب منها ألوف الجنود في المدينة، ويغرقون حاميتها القليلة العدد!
والواقع أن هرقل كان منذ سنوات قد استنفد جل من كان في الإسكندرية من جيوش الروم التي كانت تحميها؛ طلبها لتساعده على حماية القسطنطينية من شاه ورز قائد الفرس هناك فأرسلت إليه، وكان يظن أنه إذا قدر أن تتغلب الفرس على أسوار القدس وينصرفوا إلى الإسكندرية، وهذا ما لم يكن يظن هرقل إمكانه - فقد يكون لديه متسع من الوقت؛ لإعادة جنودها إليها ليحموها، وإرسال نجدات من عنده تلو نجدات، ولكن سوء حظه لم يمكنه من تنفيذ هذا التدبير؛ لأن قائد الفرس شاه ورز الذي اكتسح الروم عن الأناضول برمتها يحاول العبور
3
إليها، فلم يكن في طاقة هرقل أن يرد جنديا واحدا إلى الإسكندرية، بل إنه على العكس من ذلك أرسل إلى نيقتاس يستنجده ويستقيته، ويطلب إليه أن يرسل إليه بعض المسترزقة الذين جمعهم من صحراء لوبيا وسينا للدفاع عن الإسكندرية، ما دامت الإسكندرية آمنة وراء حصونها التي أعجزت بونوسوس نفسه، وأعجزت حتى الآن السلار شاهين نفسه، وهو الذي دك حصون أورشليم، ولكن نيقتاس لم يستطيع إجابة سؤل مولاه ورد معتذرا
4
بأن سبيل التطوع قد قطع عليه، ولم يبق لحماية قصره إلا حرسه من الزنوج
5
Bog aan la aqoon