فقالت علية: دعني أخفف من آلامي بكشف ما في نفسي، لقد كانت حياتي في هذه الشهور الأخيرة جحيما.
ودمعت عيناها فأدارت وجهها ومسحتهما، ثم قالت بعد لحظة صمت: كان صدقي في أول الأمر رفيقا عاطفا موافقا، كان لا يدع فرصة لا يظهر فيها من شخصه جانبا جديدا لامعا، حتى خيل إلي أنه الرجل الوحيد الذي يستجيب إلى ندائي، ومع ذلك.
ثم أطرقت حينا صامتة مترددة.
فنظر إليها في لهفة وأطرق صامتا، ألا ما أشدها عليه من ذكرى!
ورفعت رأسها بعد حين وقالت: إنني أحس نوعا من الخوف كلما أردت أن أجهر بما يجول في نفسي، ولكني مع ذلك لا أريد أن أخفي عنك شيئا، لقد كنت مع كل ما بدا لي من صدقي أحس في قرارة قلبي شعورا غامضا بأنني مقبلة في زواجه على أمر خطير يشبه المغامرة، أمر غامض مبهم لم أستطع تحديده أو إدراك حقيقته.
وصمتت مرة أخرى مترددة، فلما بدأت تتحدث بعد ذلك كانت تقلع الألفاظ واحدا بعد واحد كأنها تحمل نفسها على الحديث قسرا، وقالت: وكنت كلما حدثت عنه نفسي خالية لا أملك أن أرى ومضات خفية كأنها نذر عاصفة بعيدة، ولكني مع ذلك مضيت في سبيلي كأن تيارا قويا يجرفني.
وحولت بصرها إلى البحر فنظرت إلى الأفق البعيد ساهمة، وأحس فؤاد عند ذلك حزنا يغمره، بل لقد عاد إليه حنقه القديم على نفسه إذ اتهمها بأنها قد جنت عليه كما جنت عليها، وتذكر كيف كان يلقاها ويتحدث إليها ويخرج معها إلى المنازه، ثم كيف كان يكبح ما في نفسه فلم يبح لها مرة بحبه، بل إنه لم ينطق لها بكلمة تنم عن حبه لها زاعما لنفسه أن مناجاة الحب أرخص من أن يسوقها إليها .
كان يوهم نفسه بأن حبه القوي لن يلبث أن يصل إلى قلبها بغير حاجة إلى لفظ يقلل من صفائه وصدقه وقوته، أما كان في ذلك غبيا أحمق يهيم في خيال سخيف؟ أما كان يعيش في عالم بعيد في عصر سحيق عندما كانت القلوب في حجاب كما كانت الوجوه تتستر بالحجاب؟ وإلا فكيف ترك ذلك الفتى الجريء يتودد إليها ويحدثها ويزوق لها ألفاظ الإعجاب حتى جرف قلبها في تياره كما تقول؟ أما كان هو الجاني على نفسه وعليها؛ إذ أخفى قلبه عنها وبالغ في صمته خوف أن يتعثر في لفظ أو يدنس حبه العلوي بما ينم عن رغبة؟ ألم يكن ذلك منه جبنا وجمودا استحق من أجلهما حرمانه من السعادة التي كان ينشدها؟ ها هي ذي أمامه تنطق صريحة بأنها قد أخطأت؛ لأن ألفاظ صدقي قد جرفتها في تيارها، ولو أنه أسمعها ألفاظه التي تعبر عن حبه الصادق لما استطاعت ألفاظ صدقي المزوقة أن تجرفها.
وكاد في تلك اللحظة يتدفق معتذرا عن تقصيره مفصحا عما أطال كتمانه من حبه لها، ولكنه بقي صامتا ولم يجرؤ على النطق إلا أن قال وهو يجمجم اضطرابه: لست أستطيع أن أصف لك ألمي من أجلك يا علية، ولكني أضع بين يديك مودتي ونصحي، فأحب أن أسألك سؤالا.
وعادت الأمنية الأولى فلمعت في أعماقه مرة أخرى.
Bog aan la aqoon