ولو أطاع فؤاد نفسه لصفع الفتى وتركه حيث هو ومضى عنه فلا يراه مرة أخرى، ولكنه تمالك نفسه وقال له: اسمع أيها الأحمق، أليس يعجبك منظر الزهرة؟
فقال قوية ولمع وجهه: وهل هي كذلك عندك؟
فقال فؤاد: هي كذلك، وما أنظر إليها إلا كما أنظر إلى كل هذا.
وأشار بيده إشارة شاملة إلى الحقول والسماء والفضاء، ولكن صوتا في داخله كان يراجعه ويتهمه بأنه يداري الحق ويخفيه.
وارتاح الفتى إلى قوله ارتياحا ظاهرا، وانطلق في مرحه ووضع التمثال في جيبه مترفقا وقال: إذن سأجعله تميمتي.
وسأله فؤاد في سيرهما: أأنت تحبها هكذا؟
فقال قوية في صوت متهدج:
لقد كنت أمنع نفسي عنها وأجحدها من أجلك، ولكني كنت أراها نورا لعيني، فكنت كلما تصورت أنك تحول بيني وبينها أذهب يائسا، وأنا أخشى أن يحملني يأسي على إنكار مودتك، فأبعد مسرعا كلما رأيتك معها، وأختبئ في خيمتي أو أدخل بين البيوت حتى لا تقع عيني عليكما، وكم قضيت الليالي مترددا بين إخلاصي لك وبين حبي لها، حتى لقد فكرت في هجر العزبة وأن أفر عنها محتفظا لك بمودتي، ولكن ما كان أجهلني وأحمقني! لا تؤاخذني يا سيدي فؤاد، فإننا قوم في عقولنا خفة تطيش معها قلوبنا، ومثلك من يلتمس الأعذار لمثلي.
وكان لكلماته أحسن وقع على قلب فؤاد مع ما كان فيه من حيرة وارتباك، واندفع قوية يغني بلهجته البدوية:
يا نوارة الشط رؤى الطل عاليها
Bog aan la aqoon