فهذه اللجنة قد أخذت عملها على أنه جد، وجعلت تضع دستورا ديموقراطيا يخول الشعب من الحقوق ما لا يريد القصر أن ينزل عنه، وإذا سلطان الأمس وملك اليوم يمكر بالوزارة واللجنة جميعا، وإذا الخلاف يظهر بين القصر وبين ثروت باشا، وتكون ديموقراطية الدستور هي أصل هذا الخلاف. وصاحبنا ماض في تأييد الدستور الديموقراطي غير ملق بالا إلى القصر ولا إلى صاحب القصر الذي أحسن لقاءه ومنحه كثيرا من العطف والبر والتشجيع.
وفي ذات يوم ينبئ ثروت باشا صاحبنا بأن القصر ساخط عليه، وبأنه يحاول أن يصلح الأمر.
قال صاحبنا متضاحكا: فأصلح الأمر بين الوزارة وبين القصر إن وجدت إلى ذلك سبيلا، فهذا أجدر بعنايتك من إصلاح الأمر بين القصر وبيني!
ولم يستطع ثروت باشا أن يصلح الأمر بين القصر والوزارة، ولا بين القصر وصاحبنا، وإنما استقال.
ونظر صاحبنا فإذا هو بين عدوين لا يدري أيهما أنكى له من صاحبه.
يراه السعديون مارقا مالأ المارقين.
ويراه القصر كافرا بالنعمة جاحدا للجميل.
ويرى هو أنه قد أرضى ضميره وأدى واجبه وليكن بعد ذلك ما يكون.
وكذلك غرق صاحبنا في السياسة إلى أذنيه، وكان جديرا أن يفرغ للعلم والتعليم وألا يفكر إلا في طلابه وكتبه، ولكن بعض الظروف تحيط بالشعوب فتجعل الحيدة بالقياس إلى بعض أبنائها إثما لا يغتفر، ولا تمحى آثاره.
وكان صاحبنا يرى الحيدة في ذلك الوقت جبنا ونفاقا. والمهم أنه غرق في السياسة أو احترق بنارها، ولم يكن له بد من أن يحتمل تبعات هذا الغرق أو هذا الحريق، وهل كانت حياته كلها منذ تلك الأيام إلا نتيجة طبيعية لإقدامه على السياسة وغرقه فيها واصطلائه نارها؟
Bog aan la aqoon