لا أملك القوت ولا أبتغي
ما فاتني منه بذل السؤال
وقال له قائلهم أيضا: املك عليك نفسك، فإنك إن تكن تشكو الزمان إلى الزمان فهو لن يسمع لك؛ لأن الزمان أصم غبي غافل ذاهل، لا يعرف بنيه ولا يسمع لهم، وإن كنت تشكو الزمان إلى الناس، فالناس مشغولون عنك بأنفسهم، وهم بين رجلين: عاطف عليك، ولكنه لا يقدر لك على شيء، وقادر على معونتك، ولكنه لا يحفل بك ولا يلقي إليك بالا، ولو قد أهدى إليك العون لما قبلته منه، فما أرى أنك ترضى لنفسك هذا الهوان.
ولكن صاحبنا لم يقلع عن شكايته؛ لأنه لم يكن يشكو الزمان إلى الزمان، ولا يشكو الزمان إلى الناس، ولا ينتظر من الزمان ولا من الناس شيئا، وإنما كانت الشكوى غناء نفسه المحزونة وباله الكئيب.
في تلك الأيام كان عبد الحميد حمدي رحمه الله يصدر جريدة «السفور» في كل أسبوع، ويطلب إليه وإلى غيره من الصديق أن يعينوه بالكتابة فيها، فكان صاحبنا يرسل إليه حديث نفسه ذلك المر.
وكان يتردد على الجامعة ويسمع بعض دروسها، فسمع ذات يوم درس الأستاذ المهدي رحمه الله، وكان له مع الأستاذ تلك الخطوب التي رويت في حديث مضى، والتي كادت تفصله من بعثة الجامعة لولا أن أعضاء مجلس الإدارة كانوا أفقه وأذكى من أن يستجيبوا للأستاذ رحمه الله.
وفي تلك الأيام طلب عبد الحميد حمدي إلى الفتى أن ينشر كتابه عن أبي العلاء، فاستجاب الفتى لذلك سعيدا محبورا. وجد في ذلك تسلية لبعض همه، وشغلا لبعض وقته، وإرضاء لغروره الذي كان في حاجة إلى بعض الرضا، بعد أن أسرفت الأيام في القسوة عليه، وأي رضا للغرور أعجب إليه وآثر في نفسه من أن يظهر له كتاب في أيامه تلك الشداد؟
وقد نشر الكتاب، ولكن صاحبنا لم يفد من نشره مالا قليلا أو كثيرا، ولم يفد منه رضا قليلا أو كثيرا، فقد أعجل عن هذا كله، دعاه علوي باشا ذات يوم، وأنبأه - في رفق به وعطف عليه لم ينسهما قط - أن أزمة الجامعة قد انفرجت، وأن عليه أن يتأهب للسفر، فسيبحر مع صاحبه الدرعمي وغيره من أعضاء البعثة بعد أيام.
ثم أنبأته الجامعة بعد ذلك بأنه سيتشرف مع زملائه أعضاء البعثة بلقاء السلطان حسين كامل.
وقد أتيح لهم هذا اللقاء في ضحى يوم من الأيام، ذهبوا إلى القصر يقودهم علوي باشا، وأدخلوا على السلطان، فلقيهم لقاء حسنا، وألقى على الفتى سؤالا لم يعرف كيف يرد عليه.
Bog aan la aqoon