وكأن المجلس قد ضاق بهذا الكتاب الجديد، فرفضه كما رفض الكتاب الأول، وسبب الرفض بأن الفتى لا يعرف اللغة الفرنسية حق معرفتها.
وأراد المجلس أن يهون هذا الرفض على الفتى، فصاغه في صيغة التأجيل حتى يحسن هذه اللغة مطمئنا إلى أنه لن يجد إلى إحسانها سبيلا، تحول بينه وبين ذلك آفته تلك، ويعينها على ذلك فقر الفتى وإصفار يده من المال، فلم يزدد الفتى إلا عزيمة وتصميما، وكتب إلى رئيس الجامعة بعد شهور هذا الكتاب الثالث:
صاحب السعادة رئيس الجامعة المصرية
أعود الآن فأرفع إلى سعادتكم وإلى مجلس إدارة الجامعة رغبتي في السفر إلى أوروبا لدرس العلوم الفلسفية أو التاريخية موفدا من قبل الجامعة، بعد أن رفضت هذا الطلب في السنة الماضية؛ فقرر مجلس الإدارة تأجيل سفري إلى هذه السنة ريثما أقوى في اللغة الفرنسية، وإذا كنت قد وصلت من هذه اللغة إلى مقدار لا بأس به، وسأتقدم في هذه السنة لامتحان شهادة العالمية في قسم الآداب، فأنا أرجو أن يتفضل مجلس الإدارة فيوفي لي وعده الكريم مع الشكر والثناء.
19 يناير سنة 1914
طه حسين
واضطر مجلس الجامعة إلى نوع من التحدي؛ فقرر النظر في إيفاد الفتى إلى أوروبا إذا ظفر بشهادة العالمية (الدكتوراه).
ولم يكن أحب إليه من هذا التحدي، فأقبل على العناية بالدرس وإعداد الرسالة للامتحان، وتقدم لهذا الامتحان وظفر بإجازة الدكتوراه، ولهذا كله حديث يطول.
الفصل الثامن
ثلاث تجارب
Bog aan la aqoon