وقام أحمد عن المنضدة دون أن يلاحظ هذا الغيظ الذي على وجه الفتاة والذي لم تجاهد في إخفائه.
وقبل أن يستقر أحمد على كرسي مكتبه من بعد الظهر في اليوم ذاته دق جرس التليفون: - من؟ - أنا. - أهلا، أهلا. - أسمع في أهلا شوقا. - ولم لا؟ - عجيبة! كأنك لم تكن معي في الصباح. - أنا لم أكن معك في الصباح. - ألم نلتق في لاباس؟ - لم نلتق. لم تكوني أنت.
وارتبكت الفتاة هونا ثم قالت: كيف؟ - لا، لقد رأيت في لاباس فتاة جميلة كعرائس المولد، تحسن التخطيط والتزجيج وتضع الأحمر حيث يجب أن يوضع، وتضع الأسود حيث لا بد له أن يرتسم لكنها عاجزة لا تحسن شيئا آخر، عاجزة، لسانها ألكن وعقلها تافه، وأنت لست كذلك. - أتشتمني؟! أشكرك. - أنا أشتمك! ولكني أنفي عنك هذه التفاهة التي رأيتها، أتدرين لماذا رضيت أن ألقاك؟ - وبعد أن لاقيتني. - أتقسمين لي أنك أنت التي كنت في لاباس اليوم. - ... - أتقسمين؟ - لا، لا أقسم. - فلماذا أرسلت غيرك؟ - لأني ... - قولي، لماذا؟ - لأني أرى نفسي غير جميلة. - ومن أدراك؟! إن من لها عقلك هذا لا يمكن إلا أن تكون جميلة. - أتعلق الآن بخيط من الأمل واه ضعيف، وأخشى إن أنا لقيتك أن ينقطع أملي الأخير، أنا أريدك أن تحبني، وأخشى إن رأيتني أن تكرهني. - وماذا كنت تريدين أن تفعلي؟ - كنت سأجعل من صديقتي وجهي الذي ألقاك به، وأكتفي أن تلتقي عقولنا في التليفون. - بل لا بد أن ألقاهم جميعا، ألقى وجهك الذي يخفي جوهرة عقلك. لا تخافي شيئا؛ فالجمال المختفي وراء الوجوه أبقى على الزمان وأخلد نضارة من جمال الوجوه، لقد أحببت حديثك، وحديثك هو معالم عقلك؛ فلا تخشي ألا أعجب بوجهك، تعالي. - سأجيئ.
وفي اليوم التالي التقت الفتاة بأحمد، لم تكن جميلة، وكان الخوف الذي ظل وجهها قد جعلها إلى القبح أقرب، ولم يحادثها أحمد عن الجمال ولم تحادثه عنه بل سرعان ما جرى الحديث بينهما مرتقيا في سموات من الفكر والأدب والفن والفتاة تلاحقه حينا وتسبقه أحيانا، وبعد لحظات أخذت ظلال الخوف تنقشع عن وجهها رويدا رويدا لتجلو لأحمد وجها فيه بساطة وفيه رقة وفيه براءة وليس فيه جمال - وإن كان أحمد قد رأى فيه الجمال كل الجمال!
ولم يقم أحمد وحده ولا قامت وحدها، إنما تشابك ذراعاهما وسارا في الطريق فترة لاقت فترة، وروحا لاقت روحا، وقلبا لاقى قلبا.
ولم يعد التليفون يدق في مكتب أحمد كثيرا، اللهم إلا إذا أرادت زوجته أن يشتري لها شيئا قبل أن يعود إلى البيت، ماذا؟! ألم تفهم؟! لقد تزوجا.
وظيفة دائمة
(المنظر: غرفة الأستاذ مجدي السيد المحامي وهو يجلس فيها ومعه أحد الموكلين.)
الموكل :
أشكرك يا أستاذ على مجهودك.
Bog aan la aqoon