Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Noocyada
صمتت سامية طويلا ولم ترد على سؤالي، شحب وجهها أكثر مما هو، ثم همست في أذني: بابا في الحزب الشيوعي، ده حزب سري.
لأول مرة أسمع كلمة حزب سري، ولأول مرة أرى شفتي سامية المطبقتين تنفرجان عن ابتسامة أو شبح ابتسامة، بدأت تقترب مني أكثر، تحدثني عن أشياء لا أعرفها، تناولني جريدة ملفوفة على شكل أسطوانة، تتلفت حولها في حذر وتهمس: اقريها على طول ورجعيها تاني، اوعي حد يشوفها معاكي.
لم أكن أحب الهمس أو التخفي، يصيبني الشك أو النفور، كنت أظن أن اللصوص هم الذين يتخفون في الظلمة، ثم عرفت أن «الثوار» أيضا يتخفون عن أعين البوليس.
كان المرحاض هو المكان الوحيد في المدرسة الذي يمكن أن أغلق بابه علي وأقرأ الجريدة، كان اسمها «الجماهير»، تشبه الجرائد الأخرى إلا أنها أصغر حجما، أقل ورقا، لونها داكن، سطورها سوداء متلاصقة متآكلة الحروف، قد يسيح حبرها الأسود فيطمس بعض السطور أو الكلمات، أسلوبها أكثر تعقيدا من العقاد أو العقباوي أو ابن المقفع، لا أكاد أفك خطوطها أو أفهمها، من شدة الغيظ أو ربما الخوف كنت ألقيها في ثقب المرحاض وأشد عليها السيفون.
لم تكن سامية تكف عن إعطائي هذه الجريدة، تدسها لي في حقيبتي بحركة سريعة كأنما هي قنبلة زمنية، في الليل عندما تنام كل البنات في العنبر أنهض على طرف أصابعي، أخرج إلى دورة المياه تحت ضوء المصباح البعيد في الشارع أحاول أن أفك طلاسم هذه الكلمات المتلاصقة والسطور المتشابكة دون فواصل أو سواكن.
كانت هناك كلمات وعبارات تتكرر في كل صفحة: العمال، الفلاحون، الطبقات الكادحة، البروليتاريا، البرجوازية، المتآمرون، الخونة، الصراع الطبقي، الطبقات الحاكمة، الأغلبية الساحقة المسحوقة، الأقلية الانتهازية، اللصوص الذين يسرقون قوت الشعب.
في الإجازة الصيفية حين أسافر إلى منوف ترسل سامية إلي هذه الجريدة في البريد، تأتي على شكل أسطوانة ملفوفة بدوبارة، يفكها أبي بصعوبة، ينفض عنها التراب، يقرأ عناوين الصفحة الأولى مكتوبة بخط عريض أسود، ذاب الحبر مع التراب. - مين يبعت لك الجريدة دي يا نوال؟ - واحدة صاحبتي في المدرسة اسمها سامية. - دي جريدة الحزب الشيوعي. - إيه هو الحزب الشيوعي يا بابا؟
لم يكن أبي يعرف عن الحزب الشيوعي إلا ما يقرؤه في صحف الحكومة أو صحف الأحزاب السياسية؛ كالوفد أو الأحزاب الأخرى. كلمة الشيوعية، كلمة تعني عندهم الإلحاد والفساد الأخلاقي وغرس الحقد في نفوس الشعب، التآمر لقلب نظام الحكم عن طريق العنف، الخضوع لقوى خارجية في موسكو.
كان أبي يتعاطف مع حزب الوفد أو النحاس باشا حين يتصدى للإنجليز أو يصدر قرارات لصالح الموظفين والفقراء من الشعب، لم يتعاطف أبي مع الإخوان المسلمين أو زعيمهم حسن البنا، كان يراه مثل الشيخ المراغي متاجرا بالدين في حلبة السياسة. - السياسة يا نوال لعبة بدون مبادئ. - لكن انت يا بابا كنت دايما تشترك في المظاهرات. - المظاهرات الشعبية شيء آخر.
كلمات أبي تنحفر في ذهني، السياسة لعبة بدون مبادئ، الأخبار في الصحف كلها عن الحروب والمذابح والصراعات الحزبية، كنت أنجذب أكثر إلى الأدب والفن.
Bog aan la aqoon