Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

Nawal Sacdawi d. 1442 AH
92

Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Noocyada

كانت ترى في نومها الكوابيس، شبح شلبية يلوح لها في الليل! طفلة متكورة بجوار صرة ملابسها تبكي، صوت البكاء يخرق أذنيها مثل صفارة القطار، تقودها من يدها إلى القطار، ترغمها على الصعود، تدفعها في ظهرها بقبضة يدها، تتبعها داخل القطار، تجلسها على مقعد خشبي في الدرجة الثالثة مع صرة ملابسها المربوطة بالدوبارة. لم أكن مع طنط فهيمة في تلك اللحظة، تصورتها واقفة فوق رصيف المحطة، شلبية جالسة على المقعد بجوار النافذة، يدها النحيلة تمسك النافذة، يدها الثانية فوق صرة ملابسها، وجهها خال من الدم، عيناها مملوءتان بالدموع وتتسعان لدموع العالم، تتفادى طنط فهيمة النظر إليها.

تنظر إلى الناحية الأخرى، تتعلق عيناها بالسماء، عمود السواري، يتحرك القطار إلى الأمام معه شلبية، يتحرك الرصيف إلى الخلف معه طنط فهيمة، تمشي بظهرها إلى الوراء، وجهها أصبح في رأسها من الخلف، ترفع طنط فهيمة يدها لتتأكد من وجود عينيها في مكانها، تصطدم يدها بالنظارة الخارجية فتسقط على الأرض، تنكسر، يتناثر زجاجها في الجو مثل رذاذ المطر، طنط فهيمة عاجزة عن الرؤية، لا ترى شيئا بدون النظارة، كيف تعود إلى البيت؟!

عادت طنط فهيمة من محطة القطار بدون شلبية، لم تكلم أحدا في البيت، لم يكلمها أحد، تنفجر بدون سبب مثل قطها المتنمر، عادت الأمور إلى ما كانت عليه، لم يعد أحد يذكر اسم شلبية. جاء خادم عجوز في السبعين من العمر، عادت طنط فهيمة إلى طبيعتها، لكن كوابيس الليل تراودها، أصحو في الليل على انتفاضة جسدها، صوتها المتحشرج، تكلم نفسها في النوم، نشيج خافت كالبكاء المكتوم، تنفتح عيناها متسعتين جاحظتين في ذهول، تمتد يدها تحت وسادتها، تتحسس المصحف، سلسلة المفاتيح، تغمض عينيها وتغط في النوم.

تغلق الباب على الخادم العجوز، تخشى عليه من الحمل السفاح، طنط نعمات تتهكم عليها، طنط فهيمة لم تعد تأمن على شيء في البيت حتى نفسها، تغلق علينا الباب بالمفتاح في الليل، تقرأ من المصحف سورة يس، تطرد بها الجان والشياطين، «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، صوتها يشبه صوت ستي الحاجة وعمتي رقية، ملامحها أيضا تتغير، تصبح مثل طنط نعمات خائرة القوى، مستسلمة للمصير المحتوم، في الصباح تتبدل، ترتدي وجه الناظرة الشامخة، التايير الصوفي الأنيق، الحذاء الجلدي القوي، تضغط بإصبع الروج الأحمر على شفتيها، تضحك بصوت عال ملقية برأسها إلى الوراء.

هذه المرأة التي سمعت بكاء شلبية، دفعتها بقوة داخل القطار، هي نفسها المرأة التي تضحك وهي تصبغ شفتيها بالروج الأحمر؟!

في الرابعة عشرة من عمري، أنام في سرير واحد مع هذه المرأة، أخاف منها، أخاف لو امتدت يدها نحوي تغطيني فأنتفض، أتمتد يدها إلى عنقي؟ أتدفعني بقبضتها لأسقط من فوق السرير؟

سنة أولى سياسة

قضيت عاما دراسيا في هذا البيت الموحش، كان الليل طويلا، تسعى فيه الأرواح والشياطين، روح جدي الميت، روح جدتي الميتة، أرواح الموتى لا تخيفني مثل أرواح الأحياء، خالي يحي، هل ينكمش جسده ليدخل من تحت عقب الباب المغلق؟!

كانت طنط فهيمة تكره خالي يحيى؛ تقول: إنه شديد الغباء، فشل في الدراسة، أصبح «ساعاتي». في الحلم أراه أشد غباء من القط الأسود ، يتحول أيضا القط إلى روح شريرة، من تحت عقب الباب المغلق يدخل خالي يحيى على أطراف أصابعه، يقترب من الوسادة تحت رأس طنط فهيمة، يمد يده يأخذ المفتاح، في الحلم أقول لنفسي: يا سلام على الغباوة، ليه بيسرق المفتاح إذا كان دخل من غير مفتاح ؟

لا أحكي لطنط فهيمة هذه الأحلام، لا تطيق سماع هذا الكلام الفارغ، لا تنتظر مني إلا الحديث عن المدرسة والدروس، طنط نعمات مولعة بهذه الحكايات الفارغة، تأكل وقت فراغها، لا يقتل الفراغ إلا الفراغ.

Bog aan la aqoon