Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Noocyada
قبل أن ننام تقطر أمي في عيوننا قطرة حمراء أو بيضاء أو المرهم، أو مسحوق أبيض كالدقيق يسمونه «الششم»، يمنع الالتهاب الذي يؤدي إلى العمى.
واحدة من بنات الحاج محمود كانت عمياء، أكبر من خديجة قليلا، اسمها نعمة الله، وضعت أمها في عينيها مسحوق الشطة بدل الششم، تجلس فوق الأرض حبيسة البيت، تقرأ القرآن بصوت عال، جلبابها ممزق ملوث بالتراث، تلسعها أمها على ظهرها بالعصا: قومي يا بت قامت قيامتك اغسلي المواعين على الطرمبة.
أطل عليها من بين قضبان النافذة الحديدية، تنكفئ فوق الحلل والمواعين تدعكها بالتراب أو قطعة حجر، ظهرها ناحيتي، تستدير بوجهها كأنما تراني ... لها قرون استشعار خفية، أو حاسة جديدة ولدت في جسدها تعوضها عن حاسة البصر، تتطلع بعينيها إلى نافذتي، الرموش السوداء فوق جفونها تهتز في ذبذبات سريعة، مثل رموش عرائس المولد، تنفرج شفتاها الشاحبتان عن ابتسامة وتقول: صباح الخير يا نوال.
لا أستطيع النظر إلى عينيها دون أن يصيبني الدوار، لم أتصور أنهما لا تريان، كانتا مفتوحتين واسعتين، بياضهما صافيا، «النني» أسود يكسوه البريق، كيف فقدت بصرها، لا أستطيع أن أسالها، مسحوق الشطة أحمر اللون، مسحوق الششم أبيض، كيف تخطئ أمها؟! وضعت المسحوق في عينيها في الظلمة، لم يكن في بيتهم نور كهرباء.
هبطت إليها ذلك اليوم وفي يدي كتاب «الأيام»، أردت أن أقرأ لها بعض أجزاء، تصورت أنها يمكن أن تقهر الظلام كما قهره طه حسين.
حين اقتربت منها قربت فمها من أذني وهمست بصوت تخشى أن يسمعها أحد: «فتحي» جاي بكرة.
انتقض الكتاب وسقط من يدي، كيف عرفة نعمة الله السر؟! لم يكن يعرفه أحد إلا الله، ستي الحاجة تقول: إن الله يعطي سره لأضعف خلقه. «العرافة» في كفر طحلة امرأة عمياء انكشف عنها الغيب، يلجأ إليها الناس تقرأ لهم المستقبل. شيخ أعمى كان يعرف كل ما لا يعرفه الناس، الجنين في بطن أمه ذكرا أو أنثى، كان يعرف النساء العاقرات تزوره الواحدة منهن فتحبل، تدخل معه الأوضة الضلمة، يعلق «الحجاب» حول عنقها فيه آية من القرآن، تصورت في طفولتي أنه كلما زاد العمى عند المرأة أو الرجل زادت معرفته بالله وأسرار الغيب.
واقفة أمام «نعمة الله» أرتعد، كأنما سقطت ملابسي فجأة، أصبحت عارية تحت عينيها، اسم «فتحي» حين نطقته بصوتها أصبح مادة صاعقة قادرة على تدمير نظام الكون، إحداث خلل في دورة الأفلاك، الأرض أيضا فقدت توازنها، كانت مستقلة في مكانها أصبحت تدور حول نفسها أو حول الشمس، الكتاب في يدي أيضا ساقط على الأرض.
كنت أظن أن هذا الخلل يحدث في العالم الخارجي فقط، أدركت أنه يشملني أيضا من قمة رأسي إلى أصابع قدمي، يتصبب العرق من جسدي، يبلل ملابسي، أحسه تحت الإبطين، فوق ظهري يهبط إلى الساقين ليدخل إلى حذائي يبلل الجورب.
أخفيت وجهي في الأرض لألتقط الكتاب، تفاديت النظر ناحية نعمة، بصيرتها أشد حدة من حواس الناس الخمس، حروف الاسم الأربعة «فتحي» مكتوبة فوق جبينها تقرؤها مثل كتاب مفتوح.
Bog aan la aqoon