Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)
أوراقي … حياتي (الجزء الأول)
Noocyada
وأبوها ما كانش راضي.
الداية «أم محمد» ظهرت فجأة مثل عزرائيل الموت، أمسكت زينب من ذراعها وسارت بها إلى الغرفة الخلفية، أردت أن أدخل معها، الباب انغلق في وجهي، ارتفعت أصوات الطبول وزغاريد النسوة تغطي على الجريمة، صرخة زينب ارتفعت من وراء الباب المغلق، صرخة حادة ممدودة حتى السماء، تحشرجت في النهاية كالنفس الأخير.
تصورت أنها ماتت، الباب انفتح وخرجت «أم محمد» تزغرد رافعة البشكير الأبيض غارقا في الدم، انطلقت الزغاريد بأصوات النسوة الحادة تشبه صراخهن في المآتم، أبو زينب «عمي عبد الحليم» راح يمشي مختالا بين الرجال، نهضت أم زينب «عمتي بهية» لفت حول ردفيها طرحتها وراحت ترقص بين النساء، أمسك العريس عصاه الطويلة المدببة كالسيف، يحركها في الهواء ويرقص.
هذه العصا سوف تلسع ردفي زينب قبل أن تعد له العشاء، تذوق طعم عصاه قبل أن تذوق طعامه ، وتعرف أن الله فوق في السماء وهو تحت فوق الأرض، أن طاعة زوجها من طاعة ربها.
نمت على الحصيرة تحت الغطاء، أذناي أسدهما بيدي، صرخة زينب لا تزال، من الغرفة المجاورة سمعت صوت ستي الحاجة يهمس في أذن واحدة من عماتي: الدور الجاي على بنت ابني السيد، والعريس جاهز من مجاميعه، ابن عمها الحاج عفيفي، أبوه عنده أربعتاشر فدان، كل فدان ينطح أخوه، غير الدكان، عريس الهنا لبنت السيد بيه، ربنا يتمم على خير يا رب!
صرخة زينب طمست قدرتي على السماع أو الفهم، تصورت أن بنت السيد بيه واحدة غيري، ثم أدركت أنها أنا. إن العريس جاهز لي، من هو؟ لا أكاد أعرفه، رأيته مرة واحدة جالسا على الدكة الخشبية في دكان أبيه، فلاح نحيف الجسم، شاحب الوجه، عيناه صغيرتان غائرتان تلمعان مثل الصقر، له شارب أسود يمتد فوق شفته العليا من الأذن اليمنى إلى اليسرى، عظام وجهه بارزة مدببة، أنفه طويل مقوس يشبه منقار الحدأة، تزوج من قبل ثم ماتت زوجته وهي تلد طفلها، عيناي ظلتا مفتوحتين في الظلمة، الجدران الأربعة من حولي سوداء بلون الطين، السقف منخفض يكاد يسقط فوق رأسي، عروق غليظة من الخشب تمنع السقف من السقوط، في أركانها عشش العنكبوت، نخرها السوس، في شقوقها تراكم الدخان كالهباب الأسود، تئن تحت الزمن بصوت مسموع يشبه أنين القطط، فوق السطح تراكمت بلاليص المخلل والجبنة الحادقة أو المش، أكوام الذرة الجافة والقطن وأقراص الجلة «الروث» جففتها الشمس، تجري بينها السحالي والصراصير والخنافس، تتقافز من حولها القطط.
مضى على تلك الليلة أكثر من نصف قرن، لكنها في ذاكرتي حية، وأصوات الليل في أذني وأنا راقدة في تلك القرية الصغيرة المطلة على النيل، عواء الذئاب الجائعة في الحقول، نباح الكلاب من بعيد، أنفاس أختي «ليلى» الراقدة بجواري، فمها مفتوح، وريالتها تسيل فوق ذقنها، عيناها نصف مغمضتين، تهرش بيديها الاثنتين بطنها وظهرها، لدغات ترسم فوق بشرتها البيضاء آلاف النقط الحمراء.
أنين عروق الخشب في السقف لا يزال في أذني، ملمس الدموع في حلقي، طعمها فوق لساني مثل الملح، أبتلعها وأنا راقدة فوق الحصيرة، أكتم أنفاسي حتى لا يلحظ أحد أنني مستيقظة، أخبئ رأسي تحت الغطاء، أفكر ماذا أفعل؟ هل أستسلم لهم مثل زينب ابنة عمتي؟
في أعماقي العميقة الصوت يقول: لا يمكن أبدا أبدا! في النوم رأيت نفسي أجري في الظلمة، أختفي في بطن الجسر، ألقي نفسي في مياه النيل، يجري العريس من خلفي فاتحا فمه، يبتلعني كما ابتلع الحوت سيدنا يونس، في بطن الحوت أصنع بإصبعي المدبب ثغرة أنفذ منها إلى مياه البحر، أسبح كالسمكة أطفو على السطح، أحرك زعانفي تحت أشعة الشمس، تتحول الزعانف إلى أجنحة من الريش لأطير كالعصفورة، أحلق فوق الحقول الخضراء الممدودة حتى الأفق، أراه واقفا بين الزرع وراء الحامل الخشبي يرسمني فتاة، عيناها سوداوان يكسوهما البريق.
صوته يتسرب إلي من تحت الأغطية، قلبي يرفرف ريشة في الهواء، غناؤه يترامى من الفرندة العلوية:
Bog aan la aqoon