264

Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Noocyada

يدور الحوار بيني وبين شريف ونحن جالسان في الشرفة، ستة وثلاثون عاما منذ تزوجنا ونحن في حوار دائم، نطل من الشرفة العالية على القاهرة من أهرامات الجيزة إلى جبل المقطم والقلعة، مساحات من الأسمنت بلا شجرة خضراء أو حديقة للأطفال، قطعوا الأشجار وزحفت الجدران على الزرع، جدران سوداء بلا نوافذ، أو نوافذ كالشقوق داخل الشقق، كالعلب المستوردة، يحفظون فيها الفاصوليا وحبوب الصويا، داخل كل علبة تكدست الأجسام، الجد والجدة والأب والأم والأولاد والبنات والأحفاد والحفيدات، والأعمام والأخوال والخالات والعمات وأولادهم وبناتهم، يرقد اللحم إلى جوار اللحم في غرفة واحدة، يدس الواحد منهم إصبعه في عين الآخر دون أن يراه، يدخل قضيب أحدهم في ثقب مظلم داخل الجدار أو داخل اللحم، لا يعرف في الظلمة الجدار من الجسد. لا شيء يتحرك في النوم إلا الأشباح وأرواح الجان، ورد ذكرهم في كتاب الله، كلهم يؤمنون بالكتاب وبالأرواح الخفية، ينامون دون أن يتكلم أحد في النوم، في النهار يسيرون بعيون نصف مغمضة، لا أحد ينطق بشيء مما يدور في عقله، إنهم يعيشون تحت حكم قانون الطوارئ يشبه قانون الأحكام العرفية، إن نطق أحدهم بما يدور في رأسه أخذوه إلى السجن دون تحقيق. بالأمس وافق مجلس الشعب على مد العمل بقانون الطوارئ ثلاثة أعوام أخرى حتى عام 2003، وبعدها لا أحد يعرف الغيب إلا الله والسيد الرئيس.

بالأمس اعترض مجلس الشعب على حق المرأة في السفر دون إذن زوجها، قلت لابنتي: أنت أكثر حرية من أمك لأنك غير متزوجة. قالت ابنتي: ولماذا تزوجت يا أمي؟ قلت: لم يكن ممكنا أن أنجب أطفالا منذ أربعين عاما دون زواج، أنا لا أومن بورق الزواج أو شهادة الطب أو الأدب أو شهادة الميلاد أو الوفاة ، لكني تزوجت بعقد مكتوب ليكتسب أطفالي الشرعية، لكن اليوم لم يعد عقد الزواج الرسمي صالحا، لم تعد النساء خاضعات مكسورات، أغلب الشابات المثقفات يرفضن الزواج الرسمي، بدأت أنواع أخرى من الزواج غير الرسمي تنتشر مثل الزواج العرفي وزواج المسيار، وزواج الدم، وكلها تتحدى الزواج الرسمي المختوم بالنسر.

في هذه الشرفة في الدور السادس والعشرين يدور الحوار بين أجيال مختلفة من الشباب والشابات، من عمر ابنتي، وعمر ابني، أرمقهم بإعجاب ... عيونهم لم تعد منكسرة، رءوسهم لم تعد مطرقة إلى الأرض، عيونهم لم تعد نصف مغمضة، يتحاورون ويعبرون عما يدور في عقولهم دون خوف.

وقال شريف: سيكون المستقبل أفضل من الحاضر يا نوال! قلت: لكننا لن نكون هنا يا شريف. قال: لا يهم أن نكون هنا بأجسامنا لكن أفكارنا ستكون موجودة في الكتب.

وأسأل بدهشة: أيكون الورق أطول عمرا من البشر؟! ألهذا لجأ الآلهة أيضا إلى الكتب من أجل البقاء؟!

من مفكرتي السرية عام 1947

اليوم 9 يوليو 2000، تجمع في بيتي أعداد من الشابات والشباب، أسسوا جمعية جديدة باسم النهضة الفكرية للمرأة المصرية. بدأت معاكسات وزارة الشئون الاجتماعية، رفضت تسجيل الجمعية في مارس الماضي، لكن العضوات والأعضاء أصروا على مواصلة العمل، أنظر إلى وجوههم، أتذكر نفسي منذ أربعين عاما، حين كنت في مثل هذا العمر، ربيع الشباب، يعود إلي حماسي كما كنت في العشرين أو الثلاثين، ابنتي منى وابني عاطف جزء من هذه النهضة الفكرية والفنية الجديدة، هذه الوجوه تشبه ابنتي وابني، كأنما ولدتهم جميعا في مكان وزمان لا أدري عنه شيئا.

لا شيء يعيد إلي التفاؤل والأمل مثل العمل الجماعي، هذه الوجوه الشابة المليئة بالتفاؤل والأمل، عيونهم يكسوها البريق، يبتسمون ويضحكون، يتحركون في بيتي كأنما بيتهم، يدخلون إلى المطبخ، يصنعون الشاي، يقطعون فطيرة الذرة، ثم تتولى واحدة منهم إدارة الاجتماع، شابة في الخامسة والعشرين اسمها ابتسام، تكتب الأدب والشعر، تخرج إلى المظاهرات ضد الفساد في الدولة والعائلة، خاضت تجربة الزواج والأمومة، خرجت من التجربة برواية جديدة طويلة وطفلة عمرها ثلاثة أعوام، تحملها معها في كل مكان، تدربها منذ الطفولة على رؤية العالم، والتحدي، تعيش وحدها مع طفلتها، تنفق عليها من راتبها الشهري، تشتغل في إحدى الصحف الجديدة، تحصل على ما يكفيها ويكفي طفلتها ... قالت ابتسام في الاجتماع: أنا امرأة سعيدة أستمتع بالحياة دون حاجة إلى رجل. قال أحد الشباب: ليس كل الرجال متخلفين. ضحك الجميع، وقال شاب: أغلبهم متخلفون، لا بد من الاعتراف أن قلة نادرة من الشباب تخلصوا من عقدة الذكورة. وقالت إحدى الشابات: لا بد من الاعتراف أن قلة نادرة من الشابات تخلصن من عقدة الأنوثة.

يدور الحوار بينهم وهم جالسون في صالة بيتي، أستمع إليهم، ربما هم هؤلاء القلة النادرة، وإلا فلماذا جاءوا إلي أنا بالذات؟! وقالت ابتسام: قرأت كتبك يا دكتورة نوال وتغيرت حياتي كلها، استطعت أن أحول كل تجربة مؤلمة مررت بها إلى عمل إبداعي. هذه الكلمات ترن في أذني كالموسيقى، كالماء يروي الزهرة، كالهواء النقي يدخل صدري، يطرد الغبار والحزن واليأس، أتلفت حولي وأرى الفقر يشتد، الجهل يشتد، المرض يشتد، الثالوث المزمن القديم منذ عهود الملكية والإقطاع: «الفقر، الجهل، المرض»، هذا الثالوث يتجسد أمامي أينما ذهبت، كأنما لم يتحرك الزمن منذ كنت طفلة في السابعة من العمر.

لكن هذه الوجوه الشابة تعيد إلي التفاؤل والأمل، تقول ابتسام: لسنا قلة نادرة يا دكتورة نوال، نحن أغلبية هذا الشعب، الأغلبية الصامتة التي لم يكن لها صوت، أصبح لنا صوت، ربما ضعيف في مجموعة صغيرة لكن صوتنا سوف يكبر ويكبر. تطلق ضحكة مرحة يشاركها الجميع الضحك، أضحك معهم، أسمع صوت ضحكتي بأذني، أستعيد طفولتي وشبابي، يتسرب الألم من جسدي والحزن، أنهض بحركة خفيفة كأنما في العشرين من العمر، كأنما تلاشت أربعون سنة من عمري، أيكون الزمن هو الوهم؟! أتكون الشيخوخة هي المرض المؤقت لا يشفيه إلا الأمل؟!

Bog aan la aqoon