211

Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Noocyada

كان ذلك في الطفولة الساذجة والمراهقة الأولى، ثم دخلت كلية الطب، أصبحت أفصل بين الحلم والواقع، بين الوهم والحقيقة. وقعت في حب حقيقي وتزوجت زواجا حقيقيا على سنة الله والرسول، وحملت وولدت وأصبحت أما حقيقية غير عذراء وغير طاهرة. كان هناك شيء غير طاهر يحدث لي في الليل، شيء لا يبعث على اللذة بل الألم والإثم، كان زوجي الأول رجلا مكتمل الرجولة، كان فدائيا شجاعا يضحي بحياته من أجل الوطن، عاد من جبهة القتال كافرا بالوطن. - الخيانة يا نوال! - خيانة الحكومة يا أحمد. - الحكومة هي الوطن يا نوال. - الحكومة شيء والوطن شيء آخر. - هذا وهم يا نوال. - هذه حقيقة يا أحمد. - لأ، وهم، كل شيء وهم يا نوال، خلاص أنا اكتشفت الحقيقة، كنت مخدوعا.

جسدي يرتعد حين سمع صوته في الليل يردد: «وهم يا نوال»، كان يصحو طول الليل، يحقن نفسه بجرعة مضاعفة من الماكسيتون فورت، يجلس وراء المكتب ويمسك القلم بين أصابعه، يكتب كلمتين اثنتين لا غير: «الثلاثة وهم» ثم يشطبهما ويبدأ من جديد «الثلاثة وهم» يشطبهما بالقلم ثم يكتبهما أول السطر.

كان يكتب بقلم رصاص، ويشطب بالقلم ذاته، حين ينقصف القلم يضعه في البراية، يحركه المرة وراء المرة حتى يصبح له سن طويل رفيع مدبب. يكور الورقة القديمة ويرميها في الصفيحة تحت المكتب، تمتلئ بالورق المكور، يفرغها في صفيحة القمامة في المطبخ، ويعود يجلس إلى المكتب.

يفرغ البراية من النشارة بعد أن يبري القلم وراء القلم، لا يترك القلم إلا بعد أن يصبح أقصر من عقلة الإصبع . لم يكن يخرج من البيت إلا ليشتري أقلام الرصاص، رزم الورق الأبيض، وعلبة الماكسيتون فورت من الصيدلية في شارع المنيل.

كنت قد تخرجت واشتغلت طبيبة في مستشفى قصر العيني الجديد أو مستشفى المنيل الجامعي، يبعد عن بيتنا مسافة نصف ساعة على القدمين، أخرج في الثامنة صباحا وأعود في الثالثة بعد الظهر، أراه جالسا وراء المكتب في غرفة النوم، كانت الشقة صغيرة، بها غرفة واحدة، وصالة صغيرة للطعام، ومطبخ صغير، وشرفة صغيرة تطل على فرع النيل الصغير، يتكون البيت من أربعة أدوار، في كل دور شقتان متقابلتان، ونحن في الدور الثالث.

كان راتبي الشهري عشرة جنيهات ونصفا، أشتري بها الطعام ومصاريف البيت، كانت أمه تعطيه تسعة جنيهات كل شهر، نصيبه من ميراث أبيه، ينفق الجنيهات التسعة على شراء الأقلام الرصاص والورق وعلب الماكسيتون فورت. قبل الطلاق بفترة قصيرة لم تعد الجنيهات التسعة تكفي، كان يحقن نفسه بجرعة تتزايد يوما وراء يوم، وهذا أمر معروف في الطب، إن الجسد قادر على التغلب على أي سموم تمشي في الدم، مخدرات أو منبهات، يدخل الماكسيتون فورت تحت المواد المنبهة، يحتاج المدمن إلى زيادة الجرعة حتى يتغلب على مقاومة الجسم للمادة الكيميائية.

كان يفتح حقيبتي ويأخذ منها ليشتري الماكسيتون فورت، أصبحت أخبئ الحقيبة في مكان لا يعرفه، بدأ يبيع أثاث البيت، لم يكن عندنا إلا أشياء قليلة، لم يبق إلا السرير الصاج الأسود العريض، والمكتب الخشبي والمقعد الواحد الذي يجلس فوقه طول الليل يكتب عبارة واحدة من كلمتين: «الثلاثة وهم»، ثم يكور الورقة ويلقيها في الصفيحة.

قبل الطلاق بثلاثة أيام خلع الشيش والزجاج من النافذة، وعاد يحمل علبة الماكسيتون فورت، نمت طول الليل أرتجف بالبرد، كان السرير تحت النافذة، لم يكن عندنا إلا بطانية واحدة، فتحت عيني قرب الفجر، رأيته جالسا يكتب ويشطب ويرمي الورق في الصفيحة.

حين رآني أفتح عيني رمقني بنظرة غريبة، رأيته رجلا غريبا، صوته أصبح غريبا. - صحيتي يا دكتورة؟ - أيوه. - قوليلي: الثلاثة دول وهم ولا لأ؟ - الثلاثة مين؟ - الأب، الوطن، الحب . - حقيقة وهم ... لا يهم، المهم هو أنك تبطل هذا السم الذي تحقن به نفسك! - لا يعالج السم إلا السم ... وداوني بالتي كانت هي الداء. - لا يمكن حياتنا تستمر بهذا الشكل. - طبعا خلاص الحب راح يا دكتورة! - مش عارفة. - أنا عارف، الحب وهم كبير. - لأ. - يعني مؤمنة بالحب؟ - أيوه. - مين هو الرجل السعيد يا دكتورة؟ لا يمكن أكون أنا؛ لأني أنا خلاص انتهيت! - كل شيء يتوقف على إرادتك أنت. - انتهت الإرادة وكل شيء، لم يبق إلا الموت، وكما كنا نقول أيام الحب: نعيش سوا ونموت سوا، إيه رأيك نموت سوا؟ •••

ليلة 23 يوليو 1956 قبل أن يطلع الفجر.

Bog aan la aqoon