Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

Nawal Sacdawi d. 1442 AH
107

Awraqaygee … Noloshayda (Qeybta Koowaad)

أوراقي … حياتي (الجزء الأول)

Noocyada

كانت ترفع المسطرة عالية كأنما تضرب السماء ثم تهبط بها فوق أصابعي، تضغط فكيها بالغيظ وتصطك أسنانها بصوت يشبه اصطكاك المسطرة بمفاصل عظامي، أنفاسها تلهث مثل صفارة القطار أو بخار مضغوط يندفع من زجاجة مفلطحة عنقها ضيق.

كانت قصيرة القامة، مربعة الجسم، تشبه البطة المزقمة، عيناها جاحظتان من وراء النظارة البيضاء السميكة، تشبه طنط فهيمة ونبوية موسى وكل الناظرات، في كعب حذائها قطعة من الحديد على شكل حدوة الحصان تدق بها الأرض. لم تكن ترتدي السواد مثل نبوية موسى، إلا أن ملابسها كانت قاتمة اللون، وجهها قاتم، صوتها قاتم مثل كل الناظرات، ابتسامة واحدة لم أرها على وجه واحدة من هؤلاء النساء، الجبهة عريضة تتوسطها تكشيرة دائمة غائرة في اللحم.

أكان القانون يفرض عليهم هذا الشكل؟! هذا الجسم المتخشب مثل الصندوق المربع المغلق؟ رغم المكياچ أو المساحيق أو النظارة السميكة، هناك شيء يطل من فوهة الصندوق، أو الثقبين في الرأس، شيء يشبه البخار المضغوط، عاطفة ما شديدة العنف، مخزونة كالديناميت، تدمر الواحدة منهن من الداخل، وفي الخارج يظهر في عينيها بلون الدم الأحمر، يطل المكبوت من وراء النني الأسود الغارق في بياض رمادي.

صوت الناظرة يدوي في رأسي في اليقظة والنوم: «اعتبري نفسك مرفودة من المدرسة من النهاردة.» كانت المدرسة «رغم الناظرات» هي الطريق الوحيدة أمامي لتحرير نفسي، وكان تحرير نفسي أهم عندي من تحرير الوطن؛ فالوطن مجرد كلمة نهتف بها، لكن نفسي هي جسدي، هذا اللحم الحي الذي يضرب بحافة المسطرة، هذا الدم الأحمر الذي يسيل من أصابعي المتورمة، مفاصل عظامي التي تئن بالألم.

كانت الناظرة تركز الضربات فوق يدي اليمنى التي أكتب بها، ربما أرادت أن تفقدني القدرة على الكتابة، هل اعترف لها المدرس أني كتبت قصة وصفت فيها السماء بأنها غاشمة؟!

لم يكن للناظرة أن ترفدني بدون حضور ولي الأمر، جاء أبي إلى المدرسة، رأيته يدخل من الباب بقامته الفارعة ورأسه المرفوع، خطوته فوق الأرض ثابتة وقوية، وقدمه كبيرة، كانت له مشية خاصة، ينقل القدم بحركة هادئة، يعرف بالضبط أين يضع قدمه الثانية، تستقر بكل ثقلها على الأرض، كأنما لا يخشى أحدا، لا الملك ولا الحكومة ولا الناظرة، لا يخشى إلا الله.

جريت نحوه أحتمي فيه، ربت على كتفي بيده الكبيرة الحانية: «ما تخافيش يا نوال، تعالي معايا.» سرت خلفت أكاد أمسك ذيل بدلته كما كنت أمسك ذيل أمي في الطفولة، اختفيت وراء جسمه الكبير وهو يدخل إلى مكتب الناظرة.

نهضت واقفة فوق قدميها ترحب به في احترام: «أهلا سعداوي أبيه، اتفضل.» جلس أبي وملأ المقعد، أشعل سيجارة وراح يتحدث في السياسة: «معاهدة صدقي بيفن لا تحقق أي شيء، لا الجلاء ولا الاستقلال، إنها تكرس الاحتلال البريطاني يا أستاذة عزيزة.» «أيوة يا سعداوي بيه، لكن سعادتك في الوزارة وعارف إن الحكومة مانعة المظاهرات منعا باتا.» «الحكومة على وشك السقوط يا أستاذة عزيزة، بعد المظاهرة الكبيرة دي لازم حكومة صدقي تسقط، البلد كلها شاركت في المظاهرة، حتى تلاميذ الابتدائي والنساء وربات البيوت.» «لكن لازم يكون فيه نظام واحترام للقوانين، تصور يا سعداوي بيه إن بنتك دي اللي قاعدة عاملة زي القطة المغمضة حرضت البنات على كسر باب المدرسة والخروج إلى الشارع، يبقى ناقص عليهم إيه!» «دي كانت مظاهرة وطنية، ونوال بنتي أنا عارفها كويس، لا يمكن تحرض البنات على شيء سيئ، ثم إنها من التلميذات المتفوقات في المدرسة.» «لكن التفوق شيء والتحريض على الشغب شيء تاني، وأنا عندي أمر من الوزارة وعارف كل حاجة يا أستاذة عزيزة، الموظفون الكبار في الوزارة كانوا كلهم مع المظاهرة، وأنا جاي دلوقتي من عند فهمي بيه وكيل الوزارة.»

شيء كالسحر في كلمة فهمي بيه جعل وجه الناظرة يتغير، صوتها أيضا تغير وأصبح ناعما: «سعادتك تعرف فهمي بيه؟» «أيوة، كان زميلي في كلية دار العلوم، قريب السنهوري، علشان كدة رقوه قبل غيره.»

دقت الناظرة الجرس، طلبت فنجان قهوة لأبي، سألتني بصوت ناعم: تشربي إيه يا بنتي؟ حلقي جاف مشروخ، حاولت أن أطلب كوب شاي دافئ باللبن، إلا أن صوتي لم يخرج. •••

Bog aan la aqoon