149

وقد اعتدت منك في بعض حالات قلبك أن لا تضعي المعنى في اللفظ الذي هو تعبيره، بل في الذي هو تعبير ما بيني وبينك، فمعنى قولك إني أخطأت، يجيء في تعبير آخر كأنك تقولين: تذلل لي. •••

لا تزال الكلمة كلمة من اللغة حتى تقوليها أنت، فإذا هي كلمة من الفن؛ وإذا فيها ذاتية وحياة ولها تاريخ؛ ولو بمرورها من شفتيك!

أنا أخطأت لأني لم أخطئ ... فهي كلمة حب من معناك أنت لا من معنى الخطأ اللغوي، ولذلك أقرها، فإذا قلت لك، نعم تجيء هكذا: هل ترضيني؟ نعم أرضيك! ألست تطيعني؟ بلى أطيع! هل تتذلل؟ نعم أتذلل! هل أخطأت ... نعم أخطأت!

وأرضيك، وأطيع، وأتذلل: كلها بمعنى أحبك أحبك أحبك!

فما رميتني بخطأ، ولا أجبت بإقرار، ولا بقيت للكلمة عقدة تمسكها في معناها، ولو رأينا لرأينا الحب يضحك في هذه اللفظة بمقدار ما تعبس فيها اللغة! •••

وكلمات الحب كلمات يتغير عليها الحس فتفهم على أوجه مختلفة، وتشاكلها معان كثيرة؛ وكأن طريقة قولها تخلق فهمها، فما هي من عالم اللغة بل هي من خاصها؛ إذ اللغة بين أهلها جميعا، وهذه بين اثنين خاصة، واللغة ألفاظ مفسرة بما تلبسه، وهذه تفسر بما يلبسها، واللغة تشير إلى الموجود؛ إذ لا يراد بها إلا التعبير للفهم، وهذه تشير إلى غير الموجود أيضا؛ إذ تريد مع الفهم العاطفة، ولا بد أن يعطى فيها القلب إرادة.

ورب كلمة ينبذها إنسان لإنسان فإذا هي على قلبه كالريح السافية تعقد في الظهرة ضبابا خانقا من تراب الأرض ... فإذا ما لفظها حبيب لحبيبه نسمت على قلبه كرويحة الفجر في ضباب من الطل والندى، على حديقة ملتفة؛ إذ كانت هناك في منطقة اللسان، وكانت هنا في منطقة القلب، وكانت ثمة في جو من عداوة قائلها، وكانت هنا في جو من حب قائلها! •••

أنت علمتني بحبك أن هذا الكون على اتساعه موضع خاص بقلبي وحده، فمهما اتسعت اللغة في مذهب تعبيرها ففي قولك إني أخطأت معنى خاص بي وحدي يا حبيبتي ...

وأنت أريتني أن الجمال هو تصوير الحياة بك، فكلامك لي هو تصوير اللغة بك وحدك أيضا يا حبيبتي ...

وإذا ابتسمت وقلت إني أخطأت، فتلك ألفاظ متبسمة من دلالها، وإذا عبست وقلت إني أخطأت، فتلك ألفاظ متعنتة من دلالها، إذن فاعلمي أن في كلمات غضبك معنى كذلك أراه لي وحدي يا حبيبتي ...

Bog aan la aqoon