وكذلك تبدأ الحياة من أول أنفاسها بالحب، ولعل أول قبلة على وجه الطفل من أمه ساعة ينفصل منها إنما هي استقبال الحب لهذا الإنسان الجديد، ومسه من شفتي أمه بالطابع الذي لو قرئ نقشه لكان هكذا: أنت وحدك.
فإذا كبر الوليد فلا بد من تغيير في أسلوب التفسير حالا بعد حال، ولا يزال كذلك تغيره الأشياء والحوادث حتى يبلغ أسلوب الفلسفة العليا إذا انتهى إلى العشق، وحينئذ تكون قبلة الحبيبة إنما هي استقبال الحب لهذا الإنسان المتجدد، ومسه من شفتي حبيبته بالطابع الذي لو قرئ نقشه لكان هكذا «أنا وحدي ...».
لذلك أنت يا حبيبتي الفلسفة العليا، وأنت «كلمة بسرها»، أما غيرك من النساء فجمالها عندي: جمال الشكل لا جمال السر.
ومن ثم فهي مفسرة واضحة، إذ لا يرى قلبي فيها ما يعسر فهمه، ولا ما يبحث عن تفسيره، ولا ما يفسر لي شيئا من المعاني.
ومن ذلك فليس الجمال المعشوق إلا انطواء الجميل على أسرار مبهمة، وبذلك فكل نظر في المرأة لا يرجع إلا بزيادة الوضوح فيما يعلو منها وما ينزل،
4
على حين كل ما في الحبيبة يزيد على تكرار النظر غموضا كأنه شيء جديد، ودائما شيء جديد، ويأبى جمالها أن يفسر، إذا كان تفسير الشيء إنما هو إضافته إلى ما فرغت النفس منه، وبهذا وذاك فما دام الحب قائما فكل ما في الحبيبة من تكوينها وأوضاع جسمها وشمائلها ومعانيها إنما هو (مضاعفات) للمرض بها. «ولماذا لماذا؟» لأن الحب يريد أن يثبت أنه الحب، وأنه تحقيق كل إنسان روحانيته في غيره؛ ليشعر بما هو أسمى من شعوره الإنساني، وأنه امتلاء حياة بحياة؛ لتدرك معنى الكمال، فلا يكون في الحب إلا كمال الوجود الإنساني لشخص ما في وقت ما بمعنى ما.
ومتى حققت الروح وجودها في روح محبوبة، وامتلأت حياة بحياة صار لها عالمها الخاص بها، وعادت قوانين عالمنا هذا لغوا هناك، وارتفع الحب عن أن يكون صلة أو اعتبارا - كما يقع بين الناس في الوجود الإنساني الذي يسع الخلق جميعا - إلى أن يصير حقيقة وحياة يعملان بقوانينهما في الوجود القلبي الذي لا يسع إلا اثنين من الخلق. •••
إن جمالك أيتها الحبيبة ليس جمالك كما تظنين، وإلا فقد شركتك الحسان فيه: لكنه بكلمة واحة فن قلبي أنا!
والحياة التي تفيض عليك تملؤك وتملؤني معا، ولذلك فكل معنى منك له معنى آخر في.
Bog aan la aqoon