فضحكت تمر حنة قائلة: اسمعوا فالكم من عيالكم.
لكن حمدان قال بتصميم: ينبغي أن نذهب، ولنذهب جماعة.
26
تجمهر أمام بيت الناظر جمع كثير من آل حمدان نساء ورجالا، على رأسهم حمدان ودعبس وعتريس الأعمش وضلمة وعلي فوانيس ورضوان الشاعر. كان من رأي رضوان أن يذهب حمدان وحده نفيا لشبهة العصيان واتقاء لعواقبه، ولكن حمدان قال له بصراحة: «إن قتلي شيء يسير ولكن قتل آل حمدان لا يقدرون عليه.» واسترعى التجمهر أنظار أهل الحارة وبخاصة الجيران الأقربون، فبرزت رءوس النساء من النوافذ، وتطلعت أعين من تحت السلال والمقاطف ومن فوق عربات اليد، وأقبل كثيرون كبارا وصغارا وتساءلوا: ماذا يريد آل حمدان؟ وقبض حمدان على المطرقة النحاسية وطرق الباب، ففتح بعد قليل عن البواب بوجهه الكئيب ونسائم محملة بشذا الفل والياسمين. نظر البواب إلى المتجمهرين بانزعاج وتساءل: ماذا تريدون؟
فقال حمدان بقوة استمدها ممن خلفه: نريد مقابلة حضرة الناظر. - كلكم؟ - ليس فينا من هو أحق بالمقابلة من الآخرين. - انتظروا حتى أستأذن لكم.
وهم برد الباب لكن دعبس مرق إلى الداخل وهو يقول: الانتظار في الداخل أكرم.
واندفع وراءه الآخرون كالسرب وراء الحمامة، ودفع حمدان بينهم على رغم سخطه على اندفاع دعبس فانتقلت المظاهرة إلى الممشى المفروش بين السلاملك والحديقة. وصاح البواب: يجب أن تخرجوا.
فقال حمدان: الضيف لا يطرد، اذهب وخبر سيدك.
وتحركت شفتا الرجل باحتجاج غير مسموع، وشت به قسماته المكفهرة ثم تحول مهرولا نحو السلاملك. وتبعته الأعين حتى اختفى وراء الستار المسدل على باب البهو، وظلت أعين عالقة بالستار، وجالت أعين في أنحاء الحديقة، حول الفسقية المحاطة بالنخيل، وأعراش العنب لصق الجدران، وفروع الياسمين المتسلقة الأسوار، جالت بنظرات حائرة وحواس مغلقة بالهم وما لبثت أن ردت إلى الستار المسدل على باب البهو.
وانزاح الستار فخرج الأفندي بنفسه متجهم الوجه، وتقدم في خطوات حادة غاضبة حتى وقف عند رأس السلم. لم يبد من شخصه المتلفع بالعباءة إلا وجهه الغاضب وشبشبه الوبري ومسبحة طويلة في يمناه. ألقى نظرة ازدراء على المظاهرة ثم استقرت عيناه على حمدان فقال هذا بأدب جم: صبحك الله بالسعادة يا حضرة الناظر.
Bog aan la aqoon