المرأة تعرب عما في نفسه. وهذا ما يثير حنقه. ومد رأسه نحو النافذة كأنما يهرب منها وهو يقول: لا أود ما لا يود أبي!
فرفعت حاجبيها المزججين متسائلة: لماذا يخفي هذا الأمر؟ - ذلك شأنه، ما أكثر أسئلتك الليلة!
فقالت وكأنما تخاطب نفسها: المستقبل! نعرف مستقبلنا ونقدم إحسانا كبيرا إلى إدريس التعيس، لن يكلفنا هذا كله إلا قراءة ورقة دون أن يدري أحد، وأتحدى أي صديق أو عدو أن يثبت علينا سوء نية في عملنا هذا أو أنه يمس من قريب أو من بعيد والدك المحبوب!
وكان أدهم يراقب نجما فاق الأنجم بضيائه اللامع فقال متجاهلا قولها: ما أجمل السماء! لولا رطوبة الليل لجلست في الحديقة أراقبها من خلال الغصون. - لا شك في أنه ميز البعض في شروطه.
فهتف أدهم: ما أزهدني في امتياز لا يجر وراءه إلا المتاعب!
فقالت متنهدة: لو كنت أعرف القراءة لذهبت بنفسي إلى الصندوق الفضي.
تمنى لو كان ذلك كذلك. وتضاعف حنقه عليها وعلى نفسه، بل شعر بأنه قد وقع في المحظور فعلا وأنه يفكر فيه كحدث مضى. وتحول نحوها مقطبا فبدا وجهه على ضوء المصباح المرتعش بالنسيم المتسلل من النافذة مهتما ضعيفا، على رغم تجهمه، وقال: لعنت حين أفضيت إليك بالخبر! - لا أريد بك شرا، ومحبتي لوالدك مثل محبتك له ... - دعيك من هذا الحديث المتعب، في هذه الساعة تستحب الراحة. - يبدو أن قلبي لن يرتاح قبل الإقدام على هذا العمل السهل.
فنفخ قائلا: اللهم أرجع إليها عقلها!
فرمقته بنظرة المتحفز ثم سألته: ألم تخالف أباك باستقبالك إدريس في المنظرة؟!
فاتسعت عيناه دهشة وقال: وجدته أمامي فلم يسعني إلا استقباله! - هل أخبرت والدك بنبأ زيارته؟ - ما أثقلك الليلة يا أميمة!
Bog aan la aqoon