فبدا الاهتمام في عيني الرجل، وحثه بنظرة على متابعة الحديث فقال: سمعت صوتا غريبا يتكلم، كأنما كان يحدث نفسه في الظلام، فدهمني شعور مشرق بأنه صوت جدنا الجبلاوي.
فحملق الرجل في وجه ابنه وتمتم في ذهول: صوت الجبلاوي؟! ما الذي حملك على هذا الظن؟
فقال رفاعة بحرارة: ليس ظنا يا أبي، سيجيئك الدليل. وقد قمت حال سماعي الصوت فاستدرت نحو البيت وتراجعت إلى الوراء؛ لأتمكن من رؤيته ولكني لم أر إلا ظلاما. - الحمد لله! - صبرا يا أبي، سمعت الصوت وهو يقول: «أما جبل فقد قام بمهمته وكان عند حسن الظن به، ولكن الأمور ارتدت إلى أقبح مما كانت عليه»!
شعر شافعي بصدره يحترق وتفصد جبينه عرقا، وقال بصوت متهدج: ما أكثر الذين جلسوا مجلسك تحت السور فلم يسمعوا شيئا. - لكني أنا سمعت يا أبي. - لعله أحد كان راقدا في الظلام!
فهز رأسه بعزم وقال: بل جاء الصوت من البيت! - كيف عرفت هذا؟ - هتفت قائلا: «يا جدي، جبل مات، وخلفه آخرون، فمد إلينا يدك!»
فقال شافعي باضطراب: الله أسأل ألا يكون أحد سمعك.
فقال رفاعة بعينين مضيئتين: جدي سمعني، وجاءني صوته قائلا: «ما أقبح أن يطالب شاب جده العجوز بالعمل، والابن الحبيب من يعمل ...» فسألته: «وما حيلتي حيال أولئك الفتوات أنا الضعيف؟» فأجابني: «الضعيف هو الغبي الذي لا يعرف سر قوته وأنا لا أحب الأغبياء».
فتساءل عم شافعي في فزع: أتظن أن هذا الكلام دار بينك وبين الجبلاوي؟ - نعم ورب السموات!
فند عن الرجل أنين، وقال متوجعا: يا للأوهام خلاقة المصائب! - صدقني يا أبي، ليس فيما أقول شك.
فقال الرجل متحسرا: لا تقطع أملي في أن نجد فيه شكا.
Bog aan la aqoon