فقال حنورة: صدق الرجل، ما أنتم إلا حشاشون لا خير فيكم، ولو مر أمامكم الآن خنفس لسجدتم بين يديه.
ثم قال وهو يلتفت نحو رفاعة: لا تؤاخذنا يا بني، فليس على الحشاش حرج، ألم تجرب الحشيش يا رفاعة؟
فقال عم شافعي ضاحكا: لا يميل إلى مجالسه، وإن زاد على نفسين لهث أو نام.
فقال فرحات: ما ألطف هذا الشاب، يظنه البعض كودية زار لملازمته لأم بخاطرها، ويظنه آخرون شاعرا لتعلقه بالحكايات.
فقال حجازي ضاحكا: ويكره مجالس الحشيش كما يكره الزواج!
ونادى برهوم صبي القهوة ليأخذ الجوز، ثم قاموا مسلمين فانفض المجلس. وترك عم شافعي المنشار لينظر إلى ابنه في عتاب، ثم قال: لا تحشر نفسك في أحاديث أولئك الناس.
وجاء غلمان ليلعبوا أمام الدكان فدار رفاعة حول الطاولة حتى وقف أمام أبيه، ثم تناول يده وتراجع به إلى ركن الدكان بعيدا عن الآذان. بدا منفعلا قلقا لكن تطبقت شفتاه في تصميم، وشع من عينيه نور عجيب حتى تساءلت عينا الرجل. وإذا برفاعة يقول: لن أستطيع السكوت بعد اليوم.
فتضايق الأب. يا له من متعب هذا الابن العزيز؛ ينفق وقته الغالي في بيت أم بخاطرها، ويخلو الساعات الطوال إلى نفسه عند صخرة هند، وإذا مكث في الدكان ساعة أثار المشاكل بمناقشاته! - هل تجد تعبا؟
فقال بهدوء غريب حل محل القلق: لا يجوز أن أخفي عليك ما في نفسي. - ماذا عندك؟
فاقترب منه أكثر وقال: أمس عقب خروجي من بيت الشاعر عند منتصف الليل شعرت برغبة في الانطلاق فقصدت الخلاء، مشيت في الظلام حتى تعبت، ثم اخترت مكانا أسفل سور البيت الكبير المشرف على الخلاء فجلست مسندا ظهري إلى السور.
Bog aan la aqoon