وإذا بأم بخاطرها تقول في إشفاق: دعوه، أنا خبيرة بهذه الأحوال، ولا يصح أن يفرض على مثله شيء يأباه.
فقالت عبدة وهي تشد على يده: كانت سعادته أملنا، ولكن ما قدر كان، كم ضمرت يا بني!
وتساءل عم شافعي في غيظ: دلوني على شيء كهذا حصل من قبل في حارتنا!
فقالت أم بخاطرها في لوم: ليس حاله بالغريب علي يا عم شافعي، صدقني، إنه شاب نادر المثال!
فغمغم عم شافعي في حزن: صرنا أحدوثة في الحارة.
فقالت أم بخاطرها غاضبة: ليس في الحارة كلها فتى مثله.
فقال عم شافعي: هذا موضع الأسى.
فصاحت أم بخاطرها: وحد الله يا رجل، أنت لا تدري ماذا تقول ولا تفهم ما يقال.
50
أصبح للدكان منظر يوحي بالنشاط والنجاح. فعند طرف الطاولة وقف عم شافعي ينشر الخشب، وعند طرفها الآخر قبض رفاعة على القدوم وراح يدق المسامير، أما أسفل الطاولة فبدا إناء الغراء مغروسا في ركام النشارة حتى منتصفه. وأسندت إلى الجدران ضلفات نوافذ ومصاريع أبواب، يتوسطها صف عمودي من الصناديق الجديدة بلون الخشب الباهت المصقول لا ينقصها إلا الدهان. وامتلأ الجو برائحة خشبية وأصوات النشر والدق والحك وقرقرة الجوز يدخنها أربعة زبائن جلسوا عند مدخل الدكان يتحادثون. وقال حجازي مخاطبا عم شافعي: سأجرب مهارتك في هذه الكنبة، وإن شاء الله سيكون العمل القادم جهاز البنت (ثم مخاطبا أصحابه) .. وأعود فأقول لكم: إننا نعيش في أيام لو عاد إليها جبل لجن.
Bog aan la aqoon