وعرف رجال شافعي فهرعوا إليه، ودار العناق وارتفعت الأصوات، وعاد رفاعة يتفحص ما حوله باهتمام وشغف، وأنفاس قومه تتردد من حوله، فتخفف كثيرا من وحشة القلب التي غشيته مذ فارق سوق المقطم. ومضت عيناه في التجول حتى وقفتا عند نافذة في الربع الأول، تطل منها فتاة راحت تحملق في وجهه باهتمام، فلما التقت عيناهما رفعت ناظريها إلى الأفق. ولمح ذلك رجل من أصحاب والده فهمس قائلا: عيشة بنت خنفس، نظرة إليها تسبب مذبحة!
فتورد وجه رفاعة وقالت أمه: ليس هو من هؤلاء الشبان، ولكنه يرى حارته لأول مرة.
ومن الربع الأول خرج رجل في متانة الثور، يرفل في جلباب فضفاض، وينطلق من فوق فيه شارب متحرش في وجه كثير الندوب والبقع فتهامس الناس: «خنفس .. خنفس!» وأخذ جواد عم شافعي من يده واتجه به نحو الربع وهو يقول: سلام الله على فتوة آل جبل، إليك أخانا المعلم شافعي النجار، عاد إلى حارته بعد غربة عشرين عاما!
ألقى خنفس نظرة جامدة على وجه شافعي، متجاهلا يده الممدودة مليا، ثم مد له يده دون أن يلين وجهه، ثم تمتم في برود: أهلا.
وتأمله رفاعة بامتعاض، فهمست أمه في أذنه أن يذهب للسلام عليه.
وذهب رفاعة متضايقا فمد له يده، وقال عم شافعي: ابني رفاعة.
ونظر خنفس إلى رفاعة نظرة استنكار وازدراء، أولها الحاضرون بأنها احتقار لرقته غير المألوفة في الحارة. وصافحه بعدم اكتراث ثم التفت إلى أبيه متسائلا: ترى هل نسيت في غربتك سنة الحياة في حارتنا؟
فأدرك شافعي ما يرمي إليه، وقال مداريا ضيقه: نحن في الخدمة دائما يا معلم.
فتفرس في وجهه بريبة وسأله: لماذا هاجرت من حارتك؟
فصمت شافعي ريثما يجد جوابا مناسبا، فقال خنفس: هربا من زنفل؟
Bog aan la aqoon