واقترب من الناظر فرفع يده تحية وقال بشجاعة: وعد الحر دين عليه.
ومضى خارجا والجمع يسير وراءه صامتا.
40
وفق جبل في تطهير الحارة من الثعابين على مرأى من جميع أهلها. وكان كلما أذعن له ثعبان تعالى الهتاف والزغاريد حتى باتت مهارته حديث الحارة من البيت الكبير إلى الجمالية. ولما فرغ من عمله ومضى إلى ربعه تجمع حوله الغلمان والشبان وراحوا يتغنون مصفقين:
جبل .. يا نصير المساكين
جبل .. يا قاهر الثعابين.
وتواصل الغناء والتصفيق حتى بعد ذهابه. غير أنه كان لذلك رد فعل شديد في أنفس الفتوات، فما لبث أن خرج للمتظاهرين حمودة والليثي وأبو سريع وبركات، فانهالوا عليهم لعنا وسبا وصفعا وركلا حتى تفرقوا لائذين بالبيوت، فلم يبق في الطريق إلا الكلاب والقطط والذباب. وتساءل الناس عن سر هذه الحملة: كيف يجزي الفتوات صنيع جبل بالاعتداء على المتظاهرين من أجله؟ وهل يحافظ الأفندي على وعده لجبل أو تكون حملة الفتوات بداية لحملة انتقام عاتية؟ ودارت هذه الأسئلة برأس جبل، فدعا رجال حمدان إلى الربع الذي يقيم فيه ليتدبروا الأمر معا. وكان زقلط مجتمعا في الوقت ذاته بالناظر وحرمه، وكان يقول بإصرار والحنق يلتهمه: لن نبقي منهم على أحد.
وبدا الارتياح في وجه الأفندي، غير أن الهانم تساءلت: وكلمة الشرف التي أعطاها الناظر؟
فعبس زقلط حتى انقلب وجهه أقبح من أي وجه آدمي وقال: الناس يخضعون للقوة لا للشرف.
فقالت بامتعاض: سيقولون فينا ويعيدون. - فليقولوا ما حلا لهم، متي سكتوا عنكم أو عنا؟ إن الغرز تضج كل ليلة بالقفش والتنكيت علينا، ولكن إذا خرجنا إلى الطريق وقفوا خاشعين، وهم يخشعون خوفا من النبوت لا إعجابا بالشرف.
Bog aan la aqoon