Augustinus: Hordhac Gaaban
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
أفلوطين وفرفوريوس
تصور السيرة الذاتية التي كتبها فرفوريوس لأفلوطين الهيبة التي كان يتمتع بها هذا الفيلسوف العظيم، على الأقل في دائرة تلاميذه الداخلية. كتب فرفوريوس تلك السيرة الذاتية بحيث ترافق نسخته من أفلوطين؛ وذلك لأنه أراد من ناحية أن يعرف الجميع كيف كان بطله على حق إذ استأمنه على نشر أطروحاته، وكيف أعجب أفلوطين بشدة بالعقلية النقدية لتلميذه وقدرته على تأليف أشعار بهيجة ملهمة، وكيف أنه في سن الثامنة والستين تأتى لفرفوريوس نفسه في مناسبة هانئة التوحد الصوفي مع الإله، وهي التجربة التي يعيشها المرء أربع مرات فقط في الحياة، حتى بالنسبة إلى أفلوطين المستنير بنور إلهي. يتمثل أفلوطين على هيئة رجل ذي عبقرية فريدة لم تكن روحه الحارسة قوة دونية، ولم يهدأ عقله من التركيز على أسمى ذرى الفكر.
وشأنه شأن معاصره المسيحي الأكبر سنا أوريجن، عاش أفلوطين حياة متقشفة؛ فلم يأكل ولم ينم إلا قليلا، واقتات على النباتات ولم يستحم. «فقد بدا دوما خجلا من وجوده المادي»، ولم يحتفل قط بعيد ميلاده. ولقد أمسى أفلوطين بالنسبة إلى كثير من تلاميذه، ذكورا وإناثا، رمزا للأب الذي يستشيرونه في القرارات الحياتية كبيرها وصغيرها. وكانت لديه قدرة عجيبة على كشف الكذب، وشأنه شأن الأساقفة المسيحيين كان يطلب إليه التحكيم في النزاعات. ولقد نجح في إقناع فرفوريوس بالعدول عن الانتحار.
في نظامه الفلسفي، انطلق أفلوطين يرسم نوعا من الصور اللفظية للبناء الكامل للأشياء على فرض أن هناك تناظرا حميما ما بين الواقع وعملية الفكر البشري. ولقد علق أهمية كبيرة على جدلية محاورتي أفلاطون «بارمينيدس» و«السفسطائي»، ولا سيما تحليل أفلاطون للهوية والاختلاف؛ أي إنه إذا قلنا إن «س» و«ص» هما «الشيء نفسه»، فإننا نوحي بأن ثمة تمايزا بينهما إذا أردنا أن يكون التأكيد على الهوية مثيرا للاهتمام. وعلى النقيض، فإن بيان أن «س» و«ص» مختلفان يوحي بأن ثمة رابطا كامنا للهوية بينهما. ولذا، وراء التعددية والاختلافات المحسوسة والمشهودة في هذا العالم، ثمة وحدة وأداء. وبالمثل فعالم المظاهر المدركة عالم دائم التغير؛ لكن التغير يفترض مسبقا وجود بنية تحتية تظل دائمة أبدية.
نسب أفلاطون صفة عدم التبدل إلى العالم الأسمى للوجود الذي يدركه العقل في مقابل التدفق الدائم التغير للتحول الذي تدركه الحواس الجسدية؛ ولذا، فإن نظرية أفلاطون الخاصة بالأشكال (أو الأفكار)، والمطلقات الأبدية هي كالتالي: أيا كان ما في هذا العالم نصفه بالخيرية أو الجمال أو الحق فهو يتسم بتلك الصفات بقدر ما يستقي صفاته من المطلق الخاص بكل صفة. والأشكال هي الواقع الموضوعي الثابت والساري عالميا. علاوة على ذلك، فإن هذه المسلمات لا تدركها الحواس الجسمانية الخمس، بل عملية رياضية ببساطة للتجريد الفكري القح. وبقدر ما تبدو تلك التجريدات خالية من الحياة، فإن الأفلاطونية تستوعب تلك المسلمات باعتبارها سببية إلى حد كبير؛ فالموجودات الفردية يستحيل تفسيرها بمعزل، بل كأعضاء من فئة سابقة لها؛ ولذا، فالمسلم بالنسبة إلى أي أفلاطوني أكثر واقعا من أي واقعة محددة، وهو المذهب الذي عارضه أرسطو منتقدا كون المسلمات تصنيفات ذهنية لا تتجسد في الواقع إلا عندما تتجسد في موجودات محددة. وفي عمله «مقدمة»، تتبع فرفوريوس فكرته الخاصة بالمصالحة ما بين أفلاطون وأرسطو؛ إذ وضع هذين الرأيين كلا منهما بجانب الآخر وأعرض بوعي عن إصدار حكم يميل به إلى أي منهما.
كان أرسطو معنيا بالوعي بالذات الذي يتطابق فيه العارف والشيء المعروف. وطور أفلوطين هذه الملاحظة وانطلق بها لمستوى أبعد، فصاغ علم لاهوت بدى الكثير من الأفكار الواردة فيه مسلمات ذاتية البيان لأوغسطينوس. على قمة هرم الوجود هناك الواحد، ويراد به الإله، المطلق الذي لا سبيل لمعرفته، ومع ذلك تدركه الروح كشكل من أشكال الوجود الذي يتجاوز كل المعرفة. وفي السلسلة العظيمة أو تسلسل الوجود الذي حدده أفلوطين باعتباره هيكل الأشياء وبنيتها، يعتبر المستوى الأعلى علة ما دونه أيا كان مباشرة. تكلم أفلوطين عن التحول أو التطور الطارئ على البناء الهرمي للوجود على أنه «انبثاق»، وصورة مادية قوية، وفي عملية الانبثاق تحدث خسارة تدريجية؛ وذلك لأن كل أثر يكون أدنى بعض الشيء من علته. ورغم ذلك، فإن عدم الكمال المتأصل في دونيته يمكن التغلب عليه بينما يرتد إلى علته. والعلة نفسها لا يشوبها نقص دوما بفعل عطائها السرمدي للوجود للأثر الأدنى.
لقد مكن هذا النوع من التفكير في الانبثاق السببي في السلسلة الكبرى للوجود أفلوطين من تحقيق عدة إنجازات في آن واحد؛ فمن ناحية، استطاع حل مشكلة كيف يحول دون فقدان الإله والعالم كل علاقة تربط بينهما دون أن يكف المطلق عن أن يكون مطلقا، ودون أن يسقط العالم بشكل منطقي من الوجود كليا. ولقد عبر هذا النوع من التفكير عن نوع من التعويض من طريق «التحول» إلى مصدر الوجود. ومن ناحية أخرى، فقد خفف من وطأة المشكلة التي تسببت في حيرة ذهنية مضنية لجميع الأفلاطونيين؛ ألا وهي الإجابة عن السؤال المتعلق بكيفية ولوج الشر إلى تسلسل الأشياء في الوقت الذي كان فيه هذا التسلسل تدفقا فائضا من الخيرية والقوة الساميتين.
درس أفلوطين أنه على قمة الهرم هناك ثلاثة موجودات مقدسة: الواحد (الإله) والعقل والروح. الواحد خير إلى أقصى حد، ولذا يتعين أن تكون جميع المستويات الأدنى للبناء الهرمي دون الواحد أيضا متمايزة عن الخيرية؛ أي أن تكون أدنى من الخيرية المثالية. وحتى العقل فيه شيء من الدونية ممثلة في بعض الضلالات حول عظمته. أما الروح، وهي أدنى بقدر أكبر في البناء الهرمي، فتتمتع بالقدرة على إنتاج المادة. والمادة، باعتبارها على الطرف النقيض تماما في البناء الهرمي من الواحد الخير، تعتبر شرا مطلقا وعدما لا هيئة له.
كره الأفلاطونيون الجدد الثيوصوفية من كل قلبهم، ومقتوا شكلها المانوي أكثر من أشكالها الأخرى. ولقد افتتحت أطروحة أفلوطين «ضد الغنوصيين» بمجموعة من المقالات الأفلاطونية الحديثة في الجدل المناوئ للمانوية. وإذ رأى أفلوطين الكون كسلسلة عظيمة من الوجود، استطاع أن يعلن أن الشر ما هو إلا عيب في الوجود والخيرية متأصل في حقيقة وجود مستوى أدنى. ولكن، ثمة تفسيران آخران للشر كانا أيضا بارزين في تفكيره. ومن بين هذين التفسيرين، تناولت الإجابة الأولى تبعات الاختيار الحر المساء استغلاله والراسخ في احتمالية ضعف الروح، أما الإجابة الثانية، فبحثت في المادة. إن الضعف في الروح مال إلى جعلها مستغرقة في أشياء خارجية ومادية؛ ولذا، فالشر الكوني اللاأخلاقي الممثل في عيب الوجود الراسخ في المادة يصبح جذرا للشر الأخلاقي في الروح. «من دون المادة، يستحيل أن يوجد شر أخلاقي قط» (أفلوطين). إن وجود المادة في الروح يجلب لها الضعف ويتسبب في سقوطها. وفي الوقت نفسه، تمنى أفلوطين أن يتحدث عن انبثاق الروح وسقوطها كحدث ضروري للوفاء بقدراتها المحتملة وللخدمة التي يتعين على الروح تقديمها لعالم الحواس الدوني. ومن المنصف أن نستنتج أنه حتى أفلوطين أخفق في تحقيق مكانة واضحة ومتسقة، فبعد التحول الذي شهده أوغسطينوس، سعى إلى تصحيح أخطاء أفلوطين.
كانت مذاهب فرفوريوس شبيهة جدا بمذاهب سيده أفلوطين. وفي المدرسة الأفلاطونية الحديثة كان هناك شقاق حيال طائفة الأرباب؛ فقد شعر أفلوطين وفرفوريوس بالتحفظ تجاه المشاركة في التضحيات الهادفة لاسترضاء الأرواح. كتب فرفوريوس أطروحة عن «عودة الروح» (أي إلى الرب). وبالنسبة إلى قراءات أوغسطينوس المثيرة بشكل متعمق، مثلت هذه الأطروحة موقفا وسطا؛ فقد سلم بأن الفلسفة السديدة يمكن استخلاصها في المعابد من المشاورات التي ينطق بها أبوللو إله الشمس عبر نبياته. لكنه كتب بعين ناقدة عن الرفاق الوثنيين الذين افترضوا أن الروح يمكن تطهيرها مباشرة عبر المشاركة في الأضاحي بالمعبد أو عبر ممارسة أنشطة طقسية خارجية. وكانت الأضاحي الحيوانية أيضا دنيوية. علاوة على ذلك، لم تكن عادة تناول اللحم بعد الأضحية متوائمة مع المبادئ النباتية؛ ولذا، دفع فرفوريوس بأن تطهير الروح يمكن أن يتحقق وحسب ب «الفرار من الجسد» الذي اتحدت به بفعل سلسلة من الحوادث المؤسفة. فبالإعراض عن اللحم والنشاط الجنسي، يمكن تحرير الروح تدريجيا من أصفادها البدنية.
Bog aan la aqoon