Augustinus: Hordhac Gaaban
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
لقد جعل الجدل الموجه ضد نقاد المانوية أوغسطينوس يصر على وجود مغزى روحاني داخلي، ولا سيما للعهد القديم. «يكمن المغزى من العهد الجديد مستترا في العهد القديم، ويتكشف مغزى العهد القديم من خلال العهد الجديد» (تلقين غير المتعلمين
De catechizandis rudibus ). وعلى ذلك، فقد أشبع مجيء المسيح طموحات رسل العهد القديم. لقد جعله المانويون واعيا جدا بالخط الفاصل ما بين الكتب المعترف بها باعتبارها مطابقة للشرع الكنسي من قبل الكنيسة والأناجيل والأعمال المزيفة التي غالبا ما كان يلتمسها ماني؛ خاصة لأن هذه الأعمال المزيفة وضعت لدعم وجهة النظر القائلة بأن الزواج لا محل له من الإعراب للمؤمن. إن حجة المانوي، التي مفادها أن نص العهد الجديد تعرض للتحريف أثناء انتقاله، جعلته على دراية بأهمية القراءات المختلفة بين المخطوطات، أو بالأخطاء الواردة في الإنجيل اللاتيني القديم. فهو لم يستوعب أن النص الإنجيلي يحمل في طياته معنى واحدا فقط قصده آنذاك المؤلف الأصلي. فقد استخدم كتاب الأناجيل أنفسهم كثيرا الرمز والمجاز. والإصرار على معنى حرفي وتاريخي لا محالة يعني الإخفاق في فهم الرسالة الكامنة.
في مواطن قليلة، استطاع أوغسطينوس أن يكتب بثقة عن وضوح الإنجيل وجلائه. ولكن، هناك مواطن أخرى اضطر فيها إلى الاعتراف بأن نصوص الإنجيل غامضة، وأنه ليس كل شيء ضروري للخلاص واضحا لأي قارئ عادي. وتعزز ذلك ملاحظة أن الكثير من المهرطقين ينطلقون من تفسير خاطئ للإنجيل أو متحيز ضده. ولأنهم بارعون ومغرورون، تراهم يترددون في تصحيح أنفسهم؛ «فجزء من الطبيعة الكاثوليكية أن يعرب المرء عن رغبته في قبول التصحيح إذا وقع في الخطأ» (ردا على رسالتين للبيلاجيين
Contra duas epistulas Pelagianorum ).
الفصل الثالث
حرية الاختيار
في صيف عام 387، بينما كان يعيش برفقة مونيكا في روما خلال آخر سنوات عمرها، بدأ أوغسطينوس في كتابة أطروحة كبيرة ومعقدة «عن أصل الشر وحرية الاختيار» (الإرادة الحرة)، وهو العمل الذي أتمه بعدها بستة أعوام أو سبعة. ولقد أفضى به نقده للازدواجية والحتمية المانويتين إلى التأكيد بشدة على الإرادة. ولقد دلل على أن للإرادة مكانة محورية في كل فعل أخلاقي بالاستناد إلى الفضائل الأساسية الممثلة في العدل والفطنة وضبط النفس والشجاعة. والفضيلة تعتمد على الحق والاختيارات العقلانية؛ ولذا تكمن السعادة في حب خيرية الإرادة. وفي المقابل، البؤس نتاج الإرادة الشريرة، والشر نبع من حرية الاختيار المساء استخدامها التي تجاهلت قيم الخيرية والجمال والحق الأبدية.
لقد رأينا أن أوغسطينوس كان يفضل تأصيل الشر في اضطراب الروح بدلا من توطينه في الجسد والمادة، وهو مذهب أفلوطين (مدينة الله
De civitate Dei ). لقد كان ضعف الروح بالنسبة إليه العلة المباشرة - إن لم تكن العلة الكافية بضرورة الحال - للخطيئة. لكنه رأى هذا الاضطراب للروح متأصلا في حقيقة أن الروح تنشأ من لا شيء؛ ومن ثم فهي «طارئة» وعرضة لأن تحيد عن مسارها. وحتى خلودها نجد أنها تملكه لا بطبيعتها الخاصة المتأصلة، بل بهبة من الخالق وبإرادته.
يترتب على الخلق من العدم بالنسبة إلى أوغسطينوس نتيجة مفادها أنه في كل شيء يخلق بهذه الطريقة ثمة عنصر عدمي و«نزعة للعدم»، رغم أن هذه المرحلة المطلقة لا يتوصل إليها قط. وبهذه اللغة، سعى أوغسطينوس إلى التوحيد ما بين المفهوم الإنجيلي لمخلوقية الروح وتبعيتها والتأكيد الأفلاطوني على خلود الروح. في مقالة سابقة عن «خلود الروح» (وهي العمل الذي يحتوي على العديد من الفقرات التي يحاكي فيها فرفوريوس)، كتب أوغسطينوس يقول إنه حتى مادة الجسد لا تفنى بالموت، وكذلك الروح الآثمة تحتفظ إلى الأبد بمسحة من الصورة والشكل الإلهيين. في مرحلة نضجه، كتب أنه «حتى الروح الساقطة تظل صورة للرب» (الثالوث
Bog aan la aqoon