Augustinus: Hordhac Gaaban
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ربما لأن الأفلاطونية أسهمت بقدر كبير في هدايته إلى المسيحية، لم يبادر أوغسطينوس قط بوضع حدود واضحة وحاسمة بين الفلسفة وعلم اللاهوت؛ فهو لم ينظر إلى المنطق الفلسفي كوصيف للعقيدة أو كداعر خطير مهمته إغراء العقل بافتراض أن باستطاعته الوصول إلى غايته المطلقة دون مساعدة الرب ورعايته. عرف أوغسطينوس الموضوع الأساسي للفلسفة بأنه «دراسة الرب والروح البشرية» (مناجاة النفس). يلاحظ المرء استبعاد العالم المادي؛ فالدافع الذي أدى بالناس إلى التفلسف، كما وصف أوغسطينوس بأسلوب شيشروني، هو ببساطة البحث عن السعادة.
ينتشر علم الوجود الأفلاطوني، أو مذهب الوجود وطبيعة الأشياء الوارد وصفه في الفصل الأخير، في شتى كتاباته. هناك فقط بعض الجوانب التي عدل تفاصيلها؛ الأمر الذي يعطينا الانطباع بأنه بقدر ما قبل الحجج الأفلاطونية، قد حولها دوما إلى نتائج تحددها عقيدته. وربما كان من الأصح أن نقول إنه لم يجد منطقا كافيا في الانفصال عن التقليد الأفلاطوني إلا إذا لم يكن متوائما مع مقتضيات العقيدة الكاثوليكية. بطبيعة الحال، فقد اعتبر أوغسطينوس الأفلاطونيين الوثنيين مخطئين في قبولهم الشرك بالله وتعدد الآلهة، ودورات العالم الخالدة، وتناسخ الأرواح. ولقد كان الاعتقاد القديم بالتناسخ قدريا بالكامل بقدر مبالغ فيه، لدرجة أنه لم يتوافق مع مفهوم الرب باعتباره القوة الإبداعية المتفردة العاملة بشكل تخليصي كي تجلب خلقها العقلاني إلى غايته الحقيقية الممثلة في رفقة الرب.
كانت هناك نقاط خلافية أخرى أقل جلاء ولكنها ليست أقل حيثية. ورغم أهمية نبذ الممارسات الجنسية في سياق هدايته، لم يتفق أوغسطينوس مع أفلوطين في رؤيته للمادة والمادية باعتبارهما الأصل الرئيس للشر. ومرة أخرى، على النقيض من أفلوطين (على خطى أفلاطون في «الجمهورية» 509 قبل الميلاد)، لم يقل أوغسطينوس بأن الرب ينبغي أن يوصف بالواحد «المتجاوز للوجود»، واستطاع أن يقبل الأطروحة الأفلاطونية النقيضة عن الواحد والعديد كرواية للعلاقة ما بين الخالق السامي والتنوع المتشعب للخلق، لكن الإله الواحد لا يتجاوز الوجود قط، وطمأنته الآية 3: 14 من سفر الخروج بأن الرب نفسه وجود، وأنه الوجود نفسه: فهو كل ما هو موجود فعلا. (ألقيت عظتان مؤثرتان جياشتان في هيبو على جمع من عمال الموانئ والمزارعين وطورتا هذه الفكرة المميزة: (شروحات المزامير
Enarrationes in Psalmos
ومعاهدة إنجيل يوحنا
Tractatus in Evangelium Johannis ).)
إن الخلق «مشاركة» في الوجود. ويوحي هذا اللفظ بالاشتقاق. وهو مميز لما يشتق، وما يملكه المرء حينئذ يكون متمايزا عن كينونته. بالنسبة إلى المخلوقات، الوجود شيء والتحلي بالإنصاف والحكمة شيء آخر. ولكن الوجود بالنسبة إلى الرب يعني الإنصاف والخيرية والحكمة في الوقت نفسه؛ فالإنسان يمكن أن يكون موجودا دون أن يتحلى بالإنصاف أو الخيرية أو الحكمة، أما الرب فلا؛ فالرب «هو من يملك». عبر أفلوطين عن النقطة نفسها بلغة أرسطية قائلا: في «المادة» الإلهية (أي الجوهر الميتافيزيقي) لا يجوز أن تكون هناك أي عوارض. واتفق أفلوطين وأوغسطينوس على أن الفئة الأولى وحسب من الفئات العشر، ألا وهي المادة، هي التي تنطبق على وجود الرب (الاعترافات).
وجد أوغسطينوس مقدمة إنجيل يوحنا (وهي جزء من العهد الجديد أبهر الفلاسفة الأفلاطونيين الحداثيين) تصريحا نبيلا للصورة العالمية الأفلاطونية، ولنور الرب الذي يشع في الظلام ليعيد العالم المستوحش إلى العوالم العليا. ولكن، إذ وجد المسيحية تعبر عن الحقيقة بشكل أفلاطوني جدا، لاحظ أوغسطينوس نقطة خلافية شديدة؛ إذ لم تقل «كتب الأفلاطونيين» إن الكلمة صارت جسدا. لقد كان مبدأ الوحي الفريد في سياق حياة محددة فكرة مسيحية اضطر ماني إلى تبديلها تبديلا جذريا. بالنسبة إلى أفلاطوني وثني، بدت خصوصية تلك الفكرة غير متوافقة بشكل فاضح مع الثبات الإلهي والسريان الشمولي للعناية الإلهية في الكون ككل. لم يفكر الأفلاطونيون في وجود غاية إلهية تعمل عملها في فوضى التاريخ وخلالها، ومفاهيمهم الخاصة بالزمن كانت دورية لا خطية؛ بتعبير آخر، في فترات زمنية فاصلة كبيرة يرجع تكوين النجوم إلى الموضع نفسه، وحينئذ تبدأ الأشياء كلها مجددا في المسير في نفس الحلقة المفرغة. إن مفهوم التجسيد الفريد الذي يدعو الإنسان لاتخاذ قرار وجودي تترتب عليه تبعات أبدية يعني أن الأفلاطونية لم تكن شيئا يستطيع أوغسطينوس أن يتركه دون تعديل. ومن ناحية أخرى، فقد شعر هو أيضا أنه من الضروري تفسير التجسيد بلغة العناية الإلهية الشمولية كخطوة محورية باتجاه غاية التاريخ ومفتاح لفهم معناه.
خلال الفترة التي اهتدى فيها للمسيحية، كان أوغسطينوس في نحو الثالثة والثلاثين من عمره، وكان قد أمسى أستاذا مرموقا في الأدب والأسلوب البلاغي. ولو كان قد سعى وراء الوظيفة العلمانية التي حلم بها، لما عرفت الأجيال اللاحقة عنه الكثير بخلاف اسمه، ربما فقط باعتباره مثالا مذهلا للتحول الاجتماعي الذي قام به شاب بارع مثله متحدر من عائلة إقليمية معدمة من ريف مملكة نوميديا الأمازيغية، والذي كد في عمله وحالفه الحظ إذ استمتع بشيء من الرعاية المفيدة لمستقبله. الآن تخلى أوغسطينوس عن كل هذا، وكان عليه أن يجد الإجابات الشافية عن الأسئلة الملحة. وكانت مهمته الأدبية الأولى البحث في أسئلة شائكة عن الشر والقدر التي فرضها عليه في فترة من الفترات المانويون. وكان عليه أيضا أن يرد على المفكرين المشككين الذين كانوا، خلال فترة حرجة، منسجمين مع ذهنه بشدة.
خلال الأشهر التي أمضاها في كاسيكاسيوم، ألف أوغسطينوس سلسلة من المحاورات الفلسفية، التي غالبا ما اتخذت قالب محاورات شيشرون التي كتبها في معتزله في توسكولوم. ولقد مكنه التقليد الأدبي لشكل المحاورة من التصريح بصعوبات كان لم يزل هو نفسه يكابدها، وأصبح باستطاعته أن يناقشها مع نخبة متعمقة التفكير. كانت أجواء المحاورات أشبه بأجواء قاعة المحاضرات؛ حيث استخدم أوغسطينوس المناقشة الجدلية كوسيلة للتلقين، عارضا المشكلات وملتمسا الحلول. وكانت الموضوعات التي تناولها، في بداية المطاف، طبيعة السعادة (الحياة السعيدة)، ونقدا لنظرية المعرفة المتشككة ومذهب تعليق الحكم (ردا على الأكاديميين)، والتأكيد على أن القدر الشخصي أو الخاص ممكن في سياق النظام المتسق للكون، وسلسلة العلة والمعلول (حول الحكم
Bog aan la aqoon