Augustinus: Hordhac Gaaban
أوغسطينوس: مقدمة قصيرة جدا
Noocyada
ودرس فرفوريوس أن السعادة تكمن في الحكمة التي يمكن العثور عليها بطاعة الأمر القديم لديلفي «اعرف نفسك». باعتراف الجميع، يجعل الشر الكامن في الروح الإنسان عاجزا عن ممارسة التأمل الفكري المستمر، فتمسي تلك اللحظات عابرة بالنسبة إليه. ولكن «مرن نفسك على العودة إلى نفسك، واجمع من الجسد كل العناصر الروحانية المتناثرة والمختزلة في كتلة من القطع الصغيرة.» و«يزج بالروح في الفقر والعوز كلما تعززت روابطها بالجسد. لكن، يمكن أن تصبح الروح خصبة حقا باكتشاف ذاتها الحقيقية الممثلة في الفكر.» «غايتنا تحقيق تأمل الوجود.» «الذين يعرفون الرب يستحضرونه، والذين لا يعرفونه يغيبون عن الرب الموجود في كل مكان.» يعكس كتاب «الاعترافات» لأوغسطينوس هذه اللغة.
ودرس فرفوريوس أن الرب يحيط بكل الأشياء، ولا يحيط به شيء. والواحد موجود لكل من يشارك في الوجود المتدفق من مصدره في الرب. والخيرية يجب أن تكون ذاتية الانتشار، لكن كل التعددية تعول على الوحدة العليا وتسعى للعودة إليها. وفي البناء الهرمي للوجود، من البديهي أنه من الجيد أن يكون المرء موجودا، وأن درجات الوجود هي أيضا درجات للخيرية . كتب فرفوريوس يقول: «كل ما هو موجود خير بقدر ما له من وجود؛ حتى الجسد له جماله ووحدته الخاصان» (يقول أوغسطينوس الشيء نفسه، «حول الدين الحق
De vera
religione »). تحتل الروح، بين الأشياء المادية والعوالم الأسمى للحقيقة البائنة، مكانة وسيطة. وبالإهمال والتحدي العنيف العصي على التفسير، من الممكن أن تغرق الروح في مستنقع الكبرياء والحسد والأشياء الشهوانية. ولكن، بضبط النفس المتقشف والتأمل الاستبطاني، يمكن للروح أن تسمو إلى كمالها الحقيقي. وهذا الكمال هو «التمتع بالرب». تبنى أوغسطينوس هذه العبارة الأخيرة.
واستقى فرفوريوس من أفلوطين مبدأ أنه عند قمة سلسلة الوجود - حيث لا تستطيع حواسنا الخمس الوصول - هناك ثالوث مقدس قوامه الوجود والحياة والذكاء، وهو ثالوث تبادلي كله، ويعرف كوحدة يستطيع المرء داخلها أن يميز العلامات الفارقة. وهيكل الأشياء يطابق بنية الانطلاق المتناغم من المبدأ المطلق للوجود، ومن الاحتمالية إلى الواقع، ومن المجرد إلى الملموس، ومن الهوية إلى تلك الغيرية التي تعتبر أيضا تدنيا في مستوى الوجود. إن مصير الأرواح الأبدية العودة من حيث أتت؛ فالأرواح سرمدية أصلا. ومبدأ العودة أو التحول هو مغزى مبدأ أفلاطون لاستعادة الذكريات؛ أي إن كل المعارف ما هي إلا استرجاع ما عرفه المرء ذات مرة (في وجود سابق) ولكن نسيه. ولقد استعاض الأفلاطونيون الجدد، وأوغسطينوس من بعدهم، بفكرة التنوير الإلهي الذي يضيء من داخل الروح مباشرة عن هذا المذهب إلى حد كبير.
قرب نهاية حياة فرفوريوس (الذي زعم بعض الكتاب المسيحيين أنه كان مسيحيا في شبابه ثم ارتد عن دينه)، ألف هجوما مطولا ولاذعا على المعتقدات المسيحية والجدارة التاريخية للأناجيل. لم يكن كتابه الذي هاجم فيه المسيحية معروفا بالنسبة إلى أوغسطينوس. ولكن، يجوز وصف أعمال فرفوريوس بإنصاف بأنها تقدم فلسفة دينية بديلة مصممة، سواء عن عمد أو من دون عمد، لتوفر منافسا للمسيحية وترياقا لها.
فتنت مجموعة أفلاطونيي ميلانو أستاذهم في البلاغة الجديد بترجمات فيكتورينوس لأعمال أفلوطين وفرفوريوس. وقد كان للغة التي تعرض لها أوغسطينوس في تلك الأعمال التي تتناول معضلة الشر والتجربة الصوفية للعالم اللامادي السامي أثر عظيم. كان الأفلاطونيون الجدد يقولون له إن الروح لها قوة المعرفة الذاتية الفورية والراسخة بداخلها. علاوة على ذلك، فهذه القوة يمكن أن تتحقق وحسب عند تنحية إدراكات الحواس الخمس جانبا، فيشهد العقل عملية تطهير، بفعل الجدل، تطهره من الصور المادية وتسمو به إلى الرؤية المقدسة السعيدة التي تحدث عنها أفلاطون. ولقد آمنوا بأن هذه قوة طبيعية للروح تتحقق بينما تحتضن الروح تدريجيا النور والحقيقة المقدسين.
وصف أوغسطينوس لاحقا في الكتاب السابع من «الاعترافات» كيف أنه حاول في ميلانو أن يتأمل تأملا عميقا المنهج الأفلاطوني الجديد؛ فقد حررته الأفلاطونية من المفهوم المانوي للإله باعتباره مادة مضيئة خفية. وبالاستبطان بمعزل عن الناس وبممارسة طريقة الارتداد الجدلي من الخارجي إلى الداخلي، ومن الدوني والمادي إلى السامي والذهني، نال رؤية عابرة للحقيقة السرمدية والجمال غير المتبدل. وأصيب بالإحباط بسبب سرعة زوال تلك التجربة العميقة جدا، وحقيقة أنه وجد نفسه بعدها مستغرقا في كبريائه وشبقه كما في السابق. ومع ذلك، عرف أوغسطينوس أنه في تلك «اللحظة المضيئة العابرة» حظي بلمحة مذهلة للوجود السرمدي الذي لا يتبدل، والواقع اللامادي الذي يتجاوز بالكامل ذهنه المتغير دوما (الاعترافات). ولا يوجد تلميح لاقتراح في كتاباته اللاحقة، التي كتبها كمسيحي، يفيد بأن تجربة ما قبل التحول هذه لم تكن حقيقية بأي حال من الأحوال. لاحقا في «الاعترافات» (الكتاب الحادي عشر) سيتبنى أوغسطينوس تقريبا لغة مطابقة حول الوحدة بين الحب والهيبة، تلك الهيبة المترتبة على تأمل الآخر المنيع والبعيد جدا و«المغاير»، والحب النابع من الدراية بالآخر الذي هو مألوف جدا وقريب جدا؛ الهيبة المقابلة للسمات السلبية والمجردة، والحب الذي يروم التعبير عنه بكلمات شخصية وبصراحة شديدة.
وفي قلب التجربة التي وصفها استقر الإيمان بأن المخلوق المحدود القدرات لديه شوق نهم للإشباع الموجود وحسب فيما يتجاوزه، وفيما يتجاوز في حقيقة الأمر القدرة البشرية على التعبير أو الوصف.
شكل 1-2: رؤية القديس أوغسطينوس للقديس جيروم بريشة فيتوري كاراباشيو، مدرسة سان جورجيو ديلجي شيافوني، البندقية.
Bog aan la aqoon