84

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Noocyada

ردد عبارتها بمرارة قائلا: «معجبة بي. لا يهمني إعجابك بي!» وعندما لم يتلق منها أي رد، أضاف بنبرة كادت أن تكون قاسية: «لماذا تبقينني بعيدا عنك؟ لماذا تضعين حولك سورا صغيرا دوما؟»

سألته بغباء وبشعور بالحزن: «وهل أفعل حقا؟» «أنت تبدين باردة ومنعزلة حتى عندما تضحكين.» «لا أريد أن أكون كذلك؛ فأنا أكره الأشخاص الباردين.»

وللحظة لمحت ومضة سريعة من العصبية المفاجئة التي تخونه أحيانا. «هذا لأنك تتصرفين بالطريقة اللعينة التي تتصرف بها سيدة راقية. أحيانا أتمنى لو كنت خادمة أو عاملة نظافة.» «وحينئذ لن أكون نفس الشخص؛ أليس كذلك؟»

رفع عينيه بسرعة، كما لو أنه سيرد ردا حاسما مفاجئا، ثم تمالك نفسه، وواصل السير في صمت. وحين اختلست أوليفيا النظر إليه، لمحت على خلفية الخضرة صورة سريعة للرأس العنيد الأسمر الداكن الشعر - يشبه رأس ثور جميل، هكذا ظنت في مخيلتها - منحنيا قليلا، غارقا في التفكير وأقرب إلى الحزن؛ ومرة أخرى هاجمها شعور واهن وضعيف؛ نفس الإحساس الذي استحوذ عليها ليلة وفاة ابنها حين جلست تنظر إلى مؤخر رأس آنسون ولا تراه مطلقا. وتساءلت في نفسها: «لماذا هذا الرجل - الغريب - يبدو أقرب إلي مما كان آنسون في أي وقت مضى؟ ولماذا أتحدث إليه بطريقة لم أتحدث بها قط مع آنسون؟» وتملكها شعور غريب بالشفقة عند مرأى الرأس الداكن الشعر. وفي لحظة فهم خاطفة، رأته في هيئة صبي صغير يبحث بارتباك عن شيء لا يفهمه؛ أرادت أن تمسد الشعر الداكن الكثيف مطمئنة.

تحدث مرة أخرى. وكان يقول: «أنت لا تعرفين شيئا عني. وأحيانا أظن أنه يجب أن تعرفي كل شيء.» سألها وهو ينظر إليها سريعا: «هل يمكنك تحمل سماع ما سأقوله ... قدر منه؟»

ابتسمت له، متيقنة من أنها اخترقت حالته المزاجية بطريقة غامضة وتنطوي على استبصار، وقالت في نفسها: «كم أنا عاطفية ... كم أنا عاطفية على نحو مقيت !» لكنها كانت حالة مزاجية ثرية وممتعة وجدت نفسها منغمسة ومسترخية فيها بكل ذرة من كيانها. وعادت تقول في نفسها: «لماذا لا أستمتع بهذا؟ لقد كنت متحفظة طوال حياتي.»

وإذ رأى ابتسامتها، بدأ يتحدث، ويخبرها، وهما يسيران في اتجاه الشمس المشرقة، بقصة أصله المتواضع وتلك الأيام الأولى المريرة على رصيف ميناء إنديا وارف، وبين فينة وأخرى كانت تقول: «أفهم ذلك. طفولتي لم تكن سعيدة»، أو تقول: «تابع حديثك، من فضلك. إنه يأسرني ... أكثر مما تتخيل.»

وهكذا، واصل حديثه، يخبرها بقصة الندبة الطويلة الموجودة على صدغه، ويخبرها كما كان متيقنا من أنه سيفعل، عن قصة صعوده إلى النجاح، معترفا لها بكل شيء، حتى بالأشياء التي كان قد صار يشعر بالخزي منها قليلا، ويكشف من حين لآخر عن الشعور بالمرارة الذي ينتاب أولئك الذين شقوا طريقهم رغم الصعاب الكبيرة. صار الرجل الداهية الملغز ساذجا سذاجة طفل صغير، واستوعبت ما قاله، كما كانت متيقنة من أنها ستفعل. كان من المذهل كم كان محقا بشأنها.

مستغرقين في هذه الحالة المزاجية، واصلا ركوب الخيل طويلا بينما طلع الصبح وازدادت حرارة الجو، وتحيط بهما طوال الوقت رائحة الأيكة الكثيفة المتنامية المظلمة والرائحة العطرية النافذة لسراخس الأهوار الطويلة، إلى أن قالت أوليفيا، وهي تلقي نظرة خاطفة على ساعة يدها: «لقد تأخر الوقت جدا. سيفوتني إفطار العائلة.» كانت تقصد في الحقيقة أن آنسون سيكون قد ذهب إلى بوسطن الآن وأنها سعيدة بذلك - ولكن كان من المستحيل أن تقول شيئا كهذا. •••

وعند مقلع الحجارة، ودعته، وبينما كانت تدير فرسها عائدة إلى منزل عائلة بينتلاند شعرت بالتأثير الغريب لقربه منها يتفلت منها مع كل خطوة؛ وشعرت كما لو أن الجو في صبيحة هذا اليوم الحار من أيام أغسطس كان يصير باردا. وعندما كان المنزل الكبير المبني بالطوب الأحمر، راسخا بقوة وسط أشجار الدردار العتيقة، على مرمى البصر، حدثت نفسها قائلة: «يجب ألا أفعل هذا ثانية أبدا. لقد كنت حمقاء.» ثم أردفت قائلة: «ولكن لم ينبغي ألا أفعل هذا؟ لم ينبغي ألا أنعم بالسعادة؟ لا يحق لهم مطالبتي بأي شيء.»

Bog aan la aqoon