108

Awail Kharif

أوائل الخريف: قصة سيدة راقية

Noocyada

تغير الشعور بالارتباك لدى أوليفيا إلى شعور حقيقي بالرعب. أرادت أن تصرخ قائلة: «توقف! لا تواصل الحديث!» ولكن حدسا ما أنبأها بأنه ينوي الاستمرار في الحديث حتى النهاية، حديثا مؤلما، بصرف النظر عن أي شيء يمكنها فعله.

قال بنبرة هادئة تماما: «إنه أمر غريب، لكن يبدو أنه لم يبق سوى النساء ... لا رجال ... لأن آنسون في الواقع امرأة عجوز.»

وبنبرة هادئة وحازمة، وكأنها نبرة رجل جالس أمام كاهن اعتراف، واصل حديثه معها كما لو كانت خفية، مجهولة، مخلوقة أشبه بآلة، قائلا: «وبالطبع، هوراس بينتلاند مات، ولذا لم نعد بحاجة إلى التفكير فيه ... ولكن لدينا السيدة سومز ...» سعل وبدأ مجددا يفرك أصابعه النحيلة الهزيلة، كما لو أن ما يتعين عليه قوله كان يخرج من أعماق روحه بمعاناة شديدة. كرر قائلا: «لدينا السيدة سومز. أعرف أنك تتفهمين وضعها يا أوليفيا ... وأنا ممتن لك لأنك كنت لطيفة وعطوفة في مواقف ما كان أحد من الآخرين سيتصرف فيها هكذا. يخيل إلي أننا كنا موضوعا تلوكه الألسن في حي بيكون هيل وشارع كومنويلث أفانيو، ببوسطن على مدار ثلاثين عاما ... ولكن أنا لا أكترث بذلك. لقد كانوا يراقبوننا ... وكانوا يعرفون في كل مرة أصعد فيها درجات منزلها الحجري البني ... وحتى الساعة التي وصلت فيها والساعة التي غادرت فيها. الناس في عالمنا لهم عيون، يا أوليفيا، حتى في مؤخرة رءوسهم. يجب أن تتذكري هذا، يا عزيزتي. إنهم يراقبونك ... ويلاحظون كل شيء تفعلينه. إنهم يكادون يعرفون ما تفكرين فيه ... وحين لا يعرفونه، يختلقونه. تلك إحدى العلامات على عالم معتل متدهور ... وهي أنهم يعيشون حياة الآخرين ... بالترصد ومراقبة حياتهم ... وأنهم يعيشون دوما في الماضي. وذلك هو السبب الوحيد الذي جعلني أشعر بالأسف على هوراس بينتلاند ... السبب الوحيد الذي جعلني أشعر بالتعاطف معه. كان من القسوة أنه ولد في مكان كهذا.»

كانت المرارة تقطر كحمض من الحديث بأكمله، وعبر نبرة صوته ذاتها. وتأججت تلك المرارة في العينين السوداوين الشرستين اللتين لم تكن النار قد خمدت فيهما بعد. اعتقدت أوليفيا أنها تراه لأول مرة الآن بكامل حقيقته، دون أن يخفي شيئا. وبينما كانت تستمع إليه، بدأت سحابة الغموض القديمة التي كانت دوما تحجبه عنها تنقشع مثلما ينقشع الضباب عن الأهوار في الصباح الباكر. رأته الآن على حقيقته ... رجلا بالغ الرجولة، موجوعا، صافي الذهن، وأكثر إنسانية من بقيتهم، لم يفصح عن مكنونات نفسه قط ولو للحظة. «ولكن بخصوص السيدة سومز ... إذا حدث لي أي شيء يا أوليفيا ... إذا قدر لي أن ألقى حتفي قبلها، أريدك أن تكوني لطيفة معها ... من أجلي ومن أجلها. لقد كانت صبورة وكريمة معي طويلا جدا.» بدا أن المرارة كانت الآن تزول قليلا من صوته، لتحل محلها حماسة متأججة. تابع حديثه قائلا: «لقد كانت كريمة معي ... كانت دوما متفهمة يا أوليفيا، حتى قبل أن تأتي أنت إلى هنا لتمدي إلي يد العون. أنت وهي يا أوليفيا، جعلتما حياتي تستحق العيش. لقد كانت صبورة ... أكثر صبرا مما تعرفين. لا بد أنني أحيانا جعلت حياتها جحيما ... ولكنها كانت موجودة دوما، مترقبة، مفعمة بالرفق والتعاطف. لقد كانت معتلة أغلب فترة معرفتك بها ... عجوز ومعتلة. لا يمكنك أن تتخيلي إلى أي مدى كانت فيما مضى جميلة.»

قالت أوليفيا برقة: «أعرف ذلك. أذكر أنني رأيتها حين دخلت منزل عائلة بينتلاند لأول مرة ... كما أن سابين أخبرتني.»

بدا أن ذكر اسم سابين أثار حفيظته فجأة. اعتدل في جلسته وقال: «لا تفرطي في الثقة في سابين يا أوليفيا. إنها واحدة منا، في نهاية المطاف. إنها تشبه أختي كاسي كثيرا ... تشبهها أكثر مما يمكنك أن تتخيلي. ولهذا السبب تكره إحداهما الأخرى هكذا. إنها ما بداخل كاسي مجسدا ، إن جاز التعبير. كلتاهما يمكن أن تضحي بكل شيء من أجل تأجيج مشكلة أو فاجعة من شأنها أن تثير اهتمامهما. إنهما تعيشان ... حياة الآخرين.»

كان من شأن أوليفيا أن تقاطعه، لتدافع عن سابين وتخبره بالشيء الحقيقي الوحيد الذي حدث لها ... الحب المأساوي لزوجها؛ كان من شأنها أن تخبره بكل الأسرار الخطيرة وغير المترابطة التي أسرت بها سابين إليها؛ ولكن الرجل المسن لم يتح لها أي فرصة. بدا فجأة وكأنه صار ممسوسا، عازما بشدة على أن يبوح لها بمكنون صدره من كل الخبايا التي ظل يخفيها طويلا جدا. (وظلت تقول في نفسها: «لماذا يجب أن أعرف كل هذه الأشياء؟ لماذا يجب علي أن أتحمل العبء؟ لماذا عثرت على تلك الخطابات التي ظلت في مأمن ومخبأة طويلا جدا؟»)

عاد يتحدث بنبرة هادئة، وهو لا يزال يفرك أصابعه النحيلة بحركة متوترة عقيمة. قال: «ما أريد أن أقوله، يا أوليفيا ... ما أريد أن أقوله، إنها تتعاطى المخدرات الآن ... ولا طائل من محاولة شفائها. إنها مسنة الآن، والأمر حقا لا يهم. الأمر ليس كما لو كانت صغيرة في السن ولا تزال الحياة كلها أمامها.»

ودون تفكير تقريبا، ردت أوليفيا: «أعرف ذلك.»

رفع بصره إليها سريعا. وسألها بحدة: «تعرفين؟ وكيف عرفت هذا؟» «سابين أخبرتني.»

Bog aan la aqoon