Awail Kharif
أوائل الخريف: قصة سيدة راقية
Noocyada
وفي الأمسيات، بينما كانوا يلعبون البريدج أو يستمعون إلى موسيقى جان، كانت أحيانا تضبطه يراقبها وفي عينيه نظرة الإعجاب المعهودة، وكأنه يقول لها إنه على استعداد ليدعمها مهما حدث.
وبعد أسبوع على اللقاء بالآنسة بيفي عند حوض النعناع البري، أتى بيترز إلى غرفة أوليفيا في وقت متأخر من فترة ما بعد الظهيرة ليقول لها، بنبرة هي مزيج غريب من الاحترام والائتمان على سر: «لقد مرض مرة أخرى، يا سيدة بينتلاند.»
عرفت ما كان بيترز يقصده؛ إذ كانت هذه أشبه بشفرة بينهما ... فقد استخدمت العبارة نفسها مرات عديدة من قبل.
توجهت بسرعة إلى غرفة المكتبة الضيقة الشاهقة التي فاحت منها رائحة الكلاب والتفاح ودخان الخشب، وهي تعلم جيدا ما كانت بصدد أن تجده هناك؛ وما إن فتحت الباب حتى رأته، مستلقيا يغط في النوم على الكرسي الجلد الضخم. كانت رائحة الويسكي الخفيفة - وهي رائحة صارت منذ وقت طويل تملؤها دوما بالذعر - عالقة في الجو، وعلى المكتب الماهوجني وضعت ثلاث زجاجات ويسكي، كل زجاجة منها شبه فارغة. نام نوما هادئا، بذراع ملقاة على صدره، والأخرى متدلية إلى الأرضية، حيث استقرت الأصابع النحيلة بإنهاك على السجادة التركية الحمراء. كان ثمة شيء طفولي في حالة السكينة التي كانت تحيط به. بدا لأوليفيا أنه كان الآن متحررا من المتاعب التي كانت منذ زمن بعيد قد تركت أثرها في الخطوط الجامدة والقاسية للوجه المسن. كانت الخطوط قد زالت، تلاشت بطريقة أو أخرى، غمرها الهدوء الشديد الذي اتسم به هذا الموت الظاهري. لعله لم يكن يغط في نوم هادئ، بلا أحلام مزعجة، إلا هكذا. ولم يكن يهرب أبدا إلا هكذا.
وقفت عند المدخل تراقبه لبعض الوقت، في هدوء، ثم التفتت وقالت لبيترز: «هلا أخبرت هيجينز؟» وما إن مرت عبر الباب حتى أسدلت الستائر القطيفة الحمراء اللون، لتحجب أشعة شمس الأصيل.
جاء هيجينز، كما فعل من قبل مرات كثيرة، ليغلق الباب ويجلس في الغرفة، بل ولينام على الأريكة الجلدية البالية، إلى أن يستيقظ جون بينتلاند ببطء وينظر حوله ذاهلا، ليكتشف أن سائسه جالس في الغرفة نفسها، يلمع لجاما أو زوجا من أحذية ركوب الخيل. لم يكن الرجل الضئيل البنية يجلس بلا عمل أبدا. ففي قرارة نفسه كان شيء ما يطالبه بالعمل: يجب أن يفعل شيئا دوما. وهكذا، عقب هذه الأوقات الكئيبة، ظلت رائحة جديدة عالقة لأيام في أجواء المكتبة ... الرائحة المنعشة والفواحة والنضرة للجلد وصابون السرج. •••
لمدة يومين مكث هيجينز في المكتبة، لا يغادرها أبدا إلا لتناول الوجبات، ولمدة يومين لم تتلق السيدة العجوز بالجناح الشمالي أي زيارات. وباستثناء هذه الغرفة الوحيدة، لم يكن ثمة أي دليل على أي تغيير في نظام الحياة داخل منزل عائلة بينتلاند. ففي المساء، كان جان، جاهلا لما كان قد حدث، يأتي إليهم للعب الورق. ولكن سابين عرفت؛ وكذلك، العمة كاسي، التي لم تطرح أسئلة مطلقا بخصوص الغياب الغامض لأخيها خشية أن تقال لها الحقيقة. وكعادته، لم يلاحظ آنسون شيئا. جاء التغيير الحقيقي الوحيد على هيئة ظهور مفاجئ للعبوس وحدة الطبع على الآنسة إيجان. إذ صارت الممرضة التي لا غنى عنها تتشاجر حتى مع الطباخ، وتعاملت بفظاظة مع أوليفيا، التي قالت في نفسها: «ماذا سيحدث بعد ذلك؟ سأضطر إلى البحث عن ممرضة جديدة.»
وفي مساء اليوم الثالث، بعد تناول العشاء مباشرة، فتح هيجينز الباب ومضى يبحث عن أوليفيا.
قال: «عادت صحة السيد المسن على ما يرام. ذهب ليغتسل ويود أن يقابلك في المكتبة بعد نصف ساعة.»
وجدته هناك، جالسا على المكتب الماهوجني الكبير، مغتسلا ومتأنقا في ثياب كتانية نظيفة؛ ولكنه بدا هرما ومجهدا جدا، وخلف سمرة الوجه الجامد، كان ثمة شحوب جعله يبدو ممتقعا. كان من عادته ألا يتحدث مطلقا عن هذه الأوقات الحزينة، وأن يتصرف دوما كما لو أنه كان مسافرا ليوم أو يومين ويرغب في سماع ما حدث أثناء فترة غيابه.
Bog aan la aqoon