183

وقد أجاب أهل دمشق داعي العروبة والكرامة والفضيلة، فاجتمعوا حين سمعوا أن امرأة ستذهب إلى سوق الرقيق باسم سورية، واستنكروا ذلك، وأجمعوا على مطالبة الحكومة بأخذ الطريق على هذه السنة السيئة، فأجابت الحكومة دعوة العقلاء، ومنعت اجتماع السفهاء لاختيار ملكة للجمال، وفي ذلك للمصريين وغيرهم أسوة حسنة.

سيقول السفهاء: جماعة لا يعرفون الجمال، ولا يقدرونه، ولا يميزون الحسن من القبيح، فهم ساخطون ثائرون، أو جماعة لم يفهموا حضارة أوروبا، فهم جهلة متعصبون. والله يعلم أن الجمال يعبد قلوبنا، ويملك مشاعرنا، وتهفو إليه أفئدتنا حيثما تجلى في السماء أو في الأرض، ولكنا لا نعرف الجمال في الأسواق، يصفق حوله الفساق، ولا نعرف الجمال تسأل فيه الآراء، وتعرض فيه المرأة كما تعرض العجماء!

المعتصم بن صمادح1 على فراش الموت

الأندلس في أمر مريج، زال عنها سلطان الخلافة فاضطربت، وفقدت رواسيها من بني أمية فمادت، وأصبحت كرقعة الشطرنج يتغالب الملوك على كل بيت فيها، كل قوي يحوز ما وسع حوله وهمته، والعيش غلاب، «والبر أوسع والدنيا لمن غلبا.»

في هذا المعترك ملك محمد بن أحمد بن صمادح التجيبي مدينة «وشقة »، وملك عمه مدينة «سرقسطة»، ثم غلبوه على مدينته.

ثم ملك ابنه معين بن محمد مدينة «المرية»، غصبها من عبد العزيز بن أبي عامر، وخلفه ابنه أبو يحيى المعتصم بالله وهو في سن الرابعة عشرة.

نشأ المعتصم في ملك ضيق الرقعة، فاستعاض منه سعة الخلق، وبعد الهمة، وحلية العلم والأدب، والسخاء الشامل، والجود العمم، حتى طاول المعتمد بن عباد كبير ملوك الطوائف ونافسه، وحتى قال أمير المسلمين يوسف بن تاشفين حينما لقيهما بالأندلس: «هذان رجلا هذه الجزيرة.»

قال ابن خلكان:

وكان رحب الفناء، جزيل العطاء، حليما عن الدماء، طافت به الآمال، واتسع في مدحه المقال، وأعملت إلى حضرته الرحال ، ولزمه جماعة من فحول الشعراء.

وقال الفتح بن خاقان:

Bog aan la aqoon