150

تشارك جامعة فؤاد الأول معاهد العلم العراقية أحزانها، وتحتمل معها آلامها، وتناشدها أن تعزي معها الأمم العربية كلها، وتثبتها في مصابها، فإن العلم الذي يهدي الأمم طريقها، وينير لها في ظلماتها حري أن يثبتها في خطوبها، ويعصمها في محنها.

يا إخوتنا، لا أبغي إثارة الشجن، فما أيسر إثارة الأشجان والمصيبة فادحة، والقلوب دامية، ولا أريد استدرار الدمع، فما أهون استدرار الدمع والرزء جليل، والنفوس باكية، ولكن أريد أن أعرب لكم باسم الجامعة المصرية أننا معكم في السراء والضراء، وشركاؤكم في الشدة والرخاء، وأننا وإياكم متعاونون على العمل للمجد، وعلى احتمال النوائب.

إن هذا الخطب لم يخصكم، ولا نزل بساحتكم وحدكم، ولكنه خطب العرب على اختلاف ديارهم ومذاهبهم، من شرقي دجلة إلى بحر الظلمات، وخطب المسلمين على اختلاف أجناسهم وأقطارهم. إنه رزء العرب وقد استقاموا على طريقتهم، وأقسموا ليبلغن غايتهم، ورفعوا الراية، ومضوا إلى الغاية، رزؤهم في أحد قادتهم، في ملك عربي شاب طموح، استوى على عرش المنصور، مبشرا بعهد الرشيد والمأمون.

إنه رزء العرب والمسلمين في ملك هاشمي من أبناء فاطمة، قامت لمصرعه القيامة في مكة والمدينة، وفي بغداد دار العباسيين، ودمشق دار الأمويين، والقاهرة دار الفاطميين، وبلاد العرب والمسلمين جميعا.

إنه لخطب عظيم، ولكنه ليس أعظم من عزائم هذه الأمة، ولا أكبر من كبريائها، ولا أشد من أخلاقها، ونحن بنو الشدائد، ألفتنا وألفناها، وعركتنا وعركناها.

يا بني قومنا، إن للأمم في معترك الحياة نعمى وبؤسى، وفرحا وترحا، ورخاء وشدة، والزمان قلب، تدور غيره بالخير والشر، والأمم العظيمة الحازمة تأخذ عدتها من مسراتها وأحزانها، ولا تفيت فرصة من لذة أو ألم، وفرح أو غم، ولا تمر بحادثة إلا تدبرت في أمرها، وأخذت لحاضرها، وتزودت لمستقبلها، وتأهبت لأحداث الزمان والحدثان، بل الأمم في أحزانها أقرب إلى الوقار والجد، وأدنى إلى التآخي والإيثار والتفدية، وأجدر بإدراك الحقائق والاعتبار بالوقائع، وجمع الكلمة، وإرهاف العزيمة، فإن الأحزان تجلو النفوس وتنبهها، وترقق الأكباد، وتذهب بالأحقاد.

يا بني أبينا وأمنا، كانت وفاة الغازي - رحمة الله عليه - قدرا لا حيلة فيه، ورزءا لا قدرة عليه، ولو كانت نائبة تجدي فيها النجدة، وتغني الهمة، وتنفع الشجاعة والتفدية، لوجد أبو فيصل منا جميعا نفوسا تفديه، وقلوبا تستميت دونه، وعزائم ترد الخطب صاغرا، وجلادا يرجع الموت خزيان ناظرا، ولكنه قدر من وراء الأسماع والأبصار، والجنود والأنصار.

فلتفزع الأمة العربية إلى عقلها وخلقها، وإبائها وصبرها، وثباتها وجلدها.

ولتنظر إلى تاريخها تستمد منه الصبر على المصيبة، والاستكبار على الجزع، والإباء على كل خطب، والثبات لكل هول.

ليكن من اجتماعنا على مصيبة الغازي اجتماع كلمتنا، واستحكام أخوتنا، لتكن من هذه المصيبة الجامعة أخوة جامعة، وكلمة جامعة. •••

Bog aan la aqoon