وأبو شادي - بين أعماله الكثيرة الشاقة التي لا تضمها إلا رابطة شغفه بالعلم والأدب وأخذه بهما وتسخيره قواه الجمة لهما - يقول هذا الشعر في فضول من وقته، ولكنه يجمع له كل عزيمة رأيه وكل بواعث وجدانه. يقوله بحرارة واقتناع، يقوله على أن البداهة تتناوله، وأن الناس جدراء بأن يفهموه فهمه، يقوله مرسلا إرسالا، وفي كل قصيدة صورة مستكملة لا بد منها، وكل صورة لها طرافتها وغرابتها وجزئياتها، وفي هذه الجزئيات إشارات تاريخية ورموز اصطلاحية، وفي هذا كله - جملة وتفصيلا - لا يعنيه أن يكون من قرائه من لم يطالع الميثولوجيا أو لم يتتبع ما نحا به الغربيون نحوها من أساطير الإسرائيلية القديمة والمسيحية الأولى، ولا يعنيه أن تكون الأسماء الأعجمية في شعرنا مما تنبو به أسماعنا، ولا يعنيه أن تكون طائفة من الألفاظ التي اتخذها من العربية قد نيطت بها معان هي غير معانيها في الأصل؛ معان لا تدرك مراميها الحديثة إلا من طريق المقاربة أو المقارنة بالمواضعات الأجنبية، بل كل همه هو أن يبث بثه ويتقن مثاله ويبلغ شعوره إلى أدنى خلجة من خلجات الحس فيه.
ويضيف إلى ذلك أنه لا يرى عيبا في الوثبات يثبها في استعاراته إلى أبعد مدى، ولا يرى عيبا في بعض موازين الشعر يحرفها قليلا أو كثيرا؛ لتكون من الجزالة أو السهولة أو الرنة الموسيقية بحيث يريد، ولا في القوافي - وقد اتحد الحرف فيها - أن تلزم لزوما لصيقا ما أقره الجهابذة من مراعاة تجانس مخصوص فيها قبل الحرف؛ تجيش في نفسه أنشودة فينشدها، أو تتجلى لعينه صورة فينقلها، أو تتدفق في ذهنه خواطر فيشق لها الأنهار بشق قلمه السيال، وفي الكثير منها ابتكار عجيب وإبداع مدهش، وفي جوانب منها هنات من الإغراب في اللفظ أو المعنى يراها هينات بجانب مأربه السامي الكبير.
أمور قد بدا لي أن أشير إليها إشارة موجزة في هذا التصدير؛ ليتبين مطالعو شعر أبي شادي كنه طريقته فيه.
وإنها لطريقة يذهب بها مذهبا بعيدا في حرية القول، وغرضه أن يثير بها الحمية إلى الابتكار، ويسهل سبلا وعرة كانت تثبط الهمم دون الاستقلال في التفكير والخلق والتقدير.
فبارك الله في ذلك النابغة الذكي العامل، وفي الذرائع التي يقدم على اتخاذها؛ ليجتمع للأدب العربي من الإحاطة بكل شيء ما لم يجتمع من قبل.
خليل مطران
مصر في 15 أغسطس سنة 1933
إلمامة
الشعر الحديث
هل للشعر اليوم مدرسة حديثة؟ وهل هذه هي المدرسة المثالية المنشودة؟ نعم هي موجودة حقا.
Bog aan la aqoon