74

Atyaf Min Hayat May

أطياف من حياة مي

Noocyada

فلما وصلتها هذه الأبيات لم ترد عليه بأية رسالة، أو كلمة في التليفون، بل ذهبت إليه بعد مدة على حين غرة، ودخلت عليه مكتبه بجريدة البلاغ، وإني أدع «العقاد» نفسه يروي بصيغة المتكلم هذا الحادث - حادث القطيعة - بينه وبين الأديبة النابغة، قال: «زارتني على حين غرة في مكتب عملي، وهي الزيارة الأولى والأخيرة من قبيلها، ولم يكن لها مسوغ من طول الغيبة، ولا امتناع الحديث في التليفون. فما شككت لحظة في غرض الزيارة، ولا في باعثها، وتوقعت منها عتبا عنيفا في أسلوبها في التعبير الصامت المبين، ولكني علمت سلفا أنها غير منصفة في عتبها؛ لأنني لم أختلس منها شيئا هو من حقها علي، فرحبت بها وأبديت لها استغرابي لزيارتها، وابتهاجي بسؤالها عني، وأنصت مترقبا، فقالت بعد فترة وصوتها يتهدج: لست زائرة، ولا سائلة!

فقلت: إذن ...

ولم أتمها؛ لأنها نظرت إلي كمن يستحلفني ألا أتكلم، وانحدرت من عينيها دمعتان!

فما تمالكت نفسي أن تناولت يدها، ورفعتها إلى فمي أقبلها وأعيد تقبيلها، فمانعتني، ولم تكفف عن النظر إلي، ثم استجمعت عزمها ونهضت منصرفة وهي تتم هامسة: دع يدي ودعني! ثم انصرفت بعد أن سكن جأشها وزال من صفحة وجهها أثر الدموع!»

وقد قال العقاد: لو جاءت هذه الزيارة، وأنا في بداية العلاقة بسارة لما كان بعيدا أن تقضي على تلك العلاقة، وأن ترد سارة اسما مغمورا في عامة النساء!

مات حب «مي» إذن، وقضت سارة على هذا الحب الذي عاش فترة قصيرة من الزمان، ولو أنه عاش طويلا لأهدى إلى الأدب العربي ثروة كبيرة من «أدب الحب»، ولقد شيع «العقاد» هذا الحب الراحل بقصيدة طويلة بعنوان «موت الحب» جاء منها:

ولد الحب لنا، وا فرحتاه

وقضى في مهده وا أسفاه

مات لم يدرج، ولم يلعب ولم

يشهد الدنيا، ولم يعرف أباه

Bog aan la aqoon