40

Atyaf Min Hayat May

أطياف من حياة مي

Noocyada

يزاوله في الأمس واليوم والغد

أمنية لمي

وتقول له في الرسالة بعد أن ذكرت هذه الأبيات: «وقد أدى بي ذلك إلى مطالعة كثير مما كتبته عن المصريين القدماء وآثارهم وفنونهم، وكل فصل أجمل من ماضيه.» ثم تنتقل إلى الإشارة إلى ما نال باحثة البادية من تقدير المقتطف وإنصاف الدكتور يعقوب لها، وتمنت أن تموت في حياته لكي ينصفها هو؛ لأن المنصفين قليلون، قالت: «لا شك عندي في أن كل كاتب يتمنى أن يكون له من يذكره على هذه الصورة بعد موته، وأتمنى أن ينالني ما نال باحثة البادية من حسن الحظ؛ لأن المخلصين قليلون حتى بعد موت الكاتب. والعداء له، والغيرة منه، وتعمد تصغير شخصيته والنيل من مقامه، يبرز إلى الوجود بعد سكونه في قلب الثرى. وعندنا على ذلك براهين شتى، وكفى أن نذكر إدجار ألن بو المسكين.

نعم، أتمنى أن يأتي بعد موتي من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي الصغيرة المتواضعة ما فيها من روح الإخلاص والصدق والحمية والتحمس لكل شيء حسن وصالح وجميل لأنه كذلك، لا عن رغبة في الانتفاع به.

وقد قال قوم إن هذه صفة حسنة، وإذا كانت لي صفة فهي تنحصر في هذه، وأنا سعيدة بها لأنها كل شخصيتي، بل أتمنى أن أموت في حياتك أنت لتقوم لي بذلك العمل المبارك، فأكون خالدة بخلود قلمك الذهبي لا باستحقاقي!»

تقدير ودعابة

وكانت مي في سنة 1919 تكتب بحوثا عن باحثة البادية، بعد وفاتها بعام ، وقد أقبل الصيف بقيظه فعاقها عن مواصلة الكتابة، وبعثت إليه برسالة ضمنتها الكثير من تقديرها له في أسلوب يمتزج بنشوة العاطفة والحنان والتقدير، قالت: «وأظن الأفضل أن أؤجل نشر ما بقي عن الباحثة إلى ما بعد عودتي من سوريا؛ إذ أكون نلت الراحة اللازمة فينجلي مني الخاطر، ولما أراني تعبة أفكر فيك وأقدر كم أنت تعب كذلك، وكم يجب أن تسافر لتبديل الهواء ومشاهدة مناظر جديدة ووجوه جديدة. إن لهذا الانتقال تأثيرا كبيرا في أي أحد من الناس، ولكنه للكاتب - خصوصا إذا كان مفكرا مجدا من طبقتك - أكثر ضرورة منه لأي رجل غيره.» ثم تشير إلى رسالته الأخيرة التي أطرى فيها مقالها عن فيكتور هوجو، فتقول: «يسرني جدا استحسانك لكلامي عن فيكتور هوجو، ولكن ما هو ذلك الكلام إذا قابلنا بينه وبين ما تبديه أنت في الموضوعات العلمية والاجتماعية والفلسفية والنقدية حتى في أبسط أحاديثك، بحيث إني لو حملت قلما ودونت كلامك لجاء منه خطاب أو محاضرة عالية الديباجة، مترابطة الأجزاء على أتم نهج عربي، هذا حديثك وأنت تعرفه، وقد لا تعرفه، ولكنك كذلك على كل حال، وما أناقة رسائلك إلا من أناقته، وما جمال هذا وتلك إلا من جمال الفكر الموحي، إنما المرء مفصح أبدا عما يساوره من الخواطر ويخالطه من الأفكار.

قرأت في المجلد العاشر مقاليك البديعين عن ملتون والمعري، ثم عن ابن خلدون وسبنسر، والمقابلة بين كل اثنين منهما، ما أملح المقابلة وأتمها! وما أبلغ تلك الجمل القصيرة الموزونة ذات الألفاظ السهلة الفخمة! وألطف من كل ذلك أنك إذا نظمت شوارد ملتون الشعرية أبياتا عربية عصماء، ولا أعرف شيئا أكثر صعوبة من ترجمة الشعر شعرا.

وإني لأعجب كيف توصلت دفعة واحدة إلى إتقان الإنشاء في عصر لم يكن الإنشاء إلا حواشي وألفاظا وزوائد لا تعني إلا قلة المعنى، كيف توصلت إلى الأسلوب الكتابي الذي جمع بين أناقة اللغة ولباقة التعبير وعظمة الفكر وسعة المعرفة والاطلاع؟!»

ثم تشير في هذه الرسالة إلى حفلة خيرية أقامتها السيدات في بيروت ، وغنت فيها كريمته مدام تويني، ولتجامله بابنته، ثم لتكون هذه الجملة تمهيدا لدعابة طريفة، قالت: «رأيت وصف حفلة خيرية أقامتها السيدات في بيروت، وغنت فيها كريمتك مدام تويني، وسرني أن جريدة البرق وصفت صوتها بقولها إن فيه تغريد الشحرور، وحفيف الأوراق، وهدير المياه. وكل ذلك صحيح، أما أنا فإذا وصفت صوتها يوما قلت باختصار إن نبوغك الفكري والكتابي تحول عندها إلى نبوغ موسيقي غنائي.»

Bog aan la aqoon