ما كادت تقنع نفسي بهذه النتيجة السوداء، حتى جاءني منك طيف صديق جميل الصورة جميل النفس في نظرته رجاء اليائس، ومن بيانه السحر الحلال، لا عذر لدعوى الشقاء من رجل كسب صداقتك وهي شيء كثير، ولا محل للموازنة بين اللذة والألم عند امرئ له أمل صادق في حضور مجلسك واستماع حديثك.
على هذا الخيال، أو على هذه الحقيقة، أرخيت لحصاني العنان يسير على هواه، حتى أفكر أنا أيضا على هواي. وأرجو أن يطيل سراي حتى لا تنقطع مني سلسلة الخيالات الجميلة!
ما أسعد حظ الشعراء، ما زال طيفك يسري معي، وكلانا تعمره أشعة القمر الباهتة، ويطوقه السكون الشامل حتى وصلت البيت، وكان الطريق قد انطوى تحتي فلم أحس طوله، والوقت قصر فلم أشعر بأجزائه، بل ندمت على أني أتبعت الطريق المستقيم. وكان أولى أن أقطع المسافة خطا متكسرا يطول به وقت الائتناس بك.
وها أنا ذا جئت أشكر لك حسن صنعك إنه لا يكفر بالنعمة إلا من لا يرجو دوامها، ولشد ما أرجو أن أراك في كل الأوقات إلا يوم الثلاثاء - يوم زيارتك - إذ يجب على كل إنسان أن يقول كل شيء إلا رأيه الحقيقي في الأشخاص وفي الأشياء!
عملية تلك، وأية عملية؟! بل سخرة كما يقولون، وما أقسى السخرة على النفوس، لا تظني أني أغار من الذين يمدحونك أمامي وأمامك، ولو كانوا كلهم الدكتور شميل.»
وهنا نقف لنقول إنه يريد الدكتور شبلي شميل، وكان من أصدقاء «مي» الذين يترددون على صالونها كل ثلاثاء، وكان مغرما بها وطالما نظم القصائد في حبها والإعجاب بها، ثم يقول الأستاذ أحمد لطفي السيد في هذا الخطاب الرقيق: «على النقيض من ذلك، أنا أحبهم؛ لأنهم معي على رأي واحد في أمرك، ولكني لا أحب المجالس الرسمية، لا أحب منها إلا «الجمعية التشريعية»، ومن يعرف أني سأحبها في المستقبل كما أحبها الآن.
أشكرك، وأرجوك ألا تظني أن طيفك الرقيق الحاشية الجريء القلب، الذي ينزل علي ليسايرني وسط الخلاء المخيف في الليل، لا تظني أنه يغني غناء قلمك، فتتباطئين في رد كتابي كما عودتني بعض الأحيان. فإن فعلت، فما أنا ممن يسكت على هضم حقه ، وأنا أعرف كيف آخذ حقي وزيادة!»
ثم يقول في نهاية هذا الخطاب: «أراني الآن كنت طيبا، فما أراد الله أن يظهر جفائي على الرغم من أرادني، ليكن، ولكن مع ذلك أرجوك أن تعتقدي في أني أطلب رضاك، وأقدم إليك تحياتي الخالصة.»
عتاب «مي»
وكانت الآنسة «مي» تتخذ من لطفي السيد صديقا كبيرا تأنس إليه، وتحترمه وتستشيره في الكثير من شئونها، وتقدر آراءه السياسية والاجتماعية وتأييده لصديقه قاسم أمين في حرية المرأة، وما يجب لها من حقوق. ولكن حدث سنة 1914 أن توفي أحمد فتحي زغلول شقيق سعد زغلول، وكان قاضيا كبيرا وعالما ضليعا ومترجما نابغة، فأقام له لطفي السيد مع رجالات مصر حفلة تأبين في يوم الأربعين خطب فيها خطبة بليغة. ولم تدع لجنة الحفلة أية سيدة إليها؛ لأن حضور السيدات وسفورهن في ذلك الحين لم يتعوده الكثيرون في مصر، فغضبت الآنسة «مي» وأرسلت إلى لطفي السيد عتابها في هذا الخطاب الذي جاء فيه: «في نفسي كلمات جائلات منذ ثلاثة أيام، إذا حاولت الإفصاح عنها باللسان أو بالقلم تبعتها حتى علامة الاستفهام.
Bog aan la aqoon