ولا يبعد أن يقال: المقصود منه التنبيه على أن غرض البليغ ربما يكون بيان المعنى الموضوع له إذا لم يكن مقام يقتضي أريد منه إما لقصور المخاطب أو لغير ذلك، وهذا مما ينفعك في كثير من مباحث المعاني من أشكاله وينجيك من صعوبته وإشكاله (كقولك: هذا أو ذلك أو ذاك زيد) أي: كقولك هذا زيد أو قولك ذلك زيد أو قولك ذاك زيد، فإن قلت: الظاهر العطف بالواو؛ لأن التمثيل بالثلاثة للنكت الثلاثة السابقة قلت: التمثيل نشر على ترتيب اللف، والمتعارف فيه العطف بكلمة أو واستطلع على وجهه إن شاء الله تعالى، ولك أن تجعله حكما واحدا مشتملا على الأمثلة الثلاثة مشتملا على الترديد (أو تحقيره بالقرب) أي: بسبب القرب إما بأن تريده للانتقال منه إلى التحقير فيكون من قبيل الكناية، وإما بأن تريد التحقير لعلاقة له بالقرب فيكون مجازا (نحو أهذا الذي يذكر آلهتكم (¬1) أو تعظيمه بالبعد) تنزيلا لبعد درجته منزلة بعد المسافة (نحو الم ذلك الكتاب (¬2) أو تحقيره بالبعد كما يقال ذلك اللعين فعل كذا) كأنه لم يذكر التعظيم بالقرب مع أنه يناسب التعظيم بأن ينزل قربه من ساحة الحضور والخطاب منزلة قرب المسافة، وأعرض عنه في الإيضاح أيضا لأنه لم يجده فيما بينهم، ويرده قوله تعالى ربنا ما خلقت هذا باطلا (¬3) وقوله تعالى إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (¬4) واعلم أن اسم الإشارة المستعملة في # غير الحاضر في المعين عينا كان أو معنى كضمير الغائب يحتاج إلى تقدم ذكر، صرح به الرضى (أو للتنبيه عند تعقيب المشار إليه بأوصاف) أي: عند إيراد أوصاف عقيب المشار إليه (على أنه) متعلق بالتنبيه أي: على أن المشار إليه (جدير بما يرد بعده) أي: بعد اسم الإشارة أو على أن المسند إليه جدير بما يرد بعده (من أجلها) أي: من أجل تلك الأوصاف، ولا يخفى أن التنبيه لا يتوقف على تعدد الأوصاف ولا على الكون عقيب المشار إليه؛ فإنه يصح أن يكون قبله، كأن تقول جاءني زيد الفاضل الكامل وهذا يستحق الإكرام، ولا على أن يكون ما هو جدير به، وأراد بعده فليكن قبله، كأن يقول: ويستحق الإكرام هذا، فالواضح أن يقال: أو التنبيه عند الإشارة إلى موصوف، على أن المشار إليه جدير بما أسند إليه من أجل كونه موصوفا.
ووجه التنبيه أنه يصير التعبير باسم الإشارة بمنزلة التعبير بقولنا: المتصف بهذه الصفات لأن إيراد اسم الإشارة لجعله كالمحسوس باعتبار التميز الحاصل بالاتصاف وتعليق الحكم بالمشتق يشعر بعلية مأخذه، فيدل تعليق الحكم بالمتصف على مدخلية الاتصاف، ويحتمل أن يكون إيراد اسم الإشارة بعد وصف المشار إليه لتفخيم الأوصاف أو تحقيره إلى أن عظمت الذات بسببها أو حقرت (نحو أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) (¬1) فإن أولئك الأول إشارة إلى الموصول المعقب بصلة الإيمان بالغيب وما عطف عليه، والموصول المعقب بالإيمان بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك، وفيه تنبيه على أن كونهم خليقين بأن يكونوا على هدى لأجل الاتصاف بهذه الأوصاف، وأولئك الثاني إشارة إلى أولئك المعقبين بتلك الأوصاف مع زيادة كونهم على هدى، وفيه تنبيه على أن استحقاقهم الفلاح والفوز عاجلا وآجلا لأجل ذلك الاتصاف، والشارح المحقق لم يفرق بين اسمي الإشارة فاتبع الفاروق فإنه أعدل؛ واتباع ما هو الأحق أفضل.
ومما جعله صاحب المفتاح داعيا إلى اسم الإشارة أن لا يكون لك أو لسامعك طريق سوى الإشارة ولم يلتفت إليه المصنف لبعد أن لا يمكن التعبير عن المحسوس للمتكلم والسامع بطريق آخر تعرفهما؛ إذ لا أقل من الذي في هذا المكان فتأمل.
Bogga 313