الطائر لفراخه ويحيطهما بحنوه وعطفه كما يحيط الطائر فراخه، فشبه الولد في سعيه وحنوه وعطفه على والديه بالطائر في ذلك كله على فراخه، وحذف المشبه به وأشير إليه، يلازمه وهو خفض الجناح، لأن الطائر هو ذو الجناح، وإنما يخفض جناحه حنوًا وعطفًا وحياطة لفراخه، فيكون في الكلام استعارة بالكناية. وأضيف الجناح إلى الذل- وهو الهون واللين- إضافة موصوف إلى صفة. أخفض لهما جناحك الذليل، وهذا ليفيد هونه وانكساره عند حياطتهما حتى يشعر بأنهما مخدومان للإستحقاق لا متفضل عليهما بالإحسان. وفي ذكر هذه الصورة التي تشاهد من الطير تذكير بليغ مرقق موجب للرحمة وتنبيه للولد على حالته التي كان عليها معهما في صغره، ليكون ذلك ابعث له على العمل وعدم رؤية عمله أمام ما قدما إليه. و﴿مِنَ﴾ في قوله تعالى: ﴿مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ للتعليل متعلقة باخفض، فتقيد مع متعلقها الأمر بأن يكون ذلك الخفض ناشئًا على الرحمة الثابتة في النفس لا عن مجرد استعمال ظاهر كما كان يكنفانه ويعطفان عليه عن رحمة قلبية صادقة، فيكون هذا مفيدًا ومؤكدًا لما قدمناه من لزوم أن يتطابق على الإحسان إليهما الظاهر والباطن، ليتم البرور.
﴿وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾.
مهما اجتهد الولد في الإحسان إلى أبويه فإنه لا يجازي سابق إحسانهما، فأمر بأن يتوجه بسؤال الرحمة لهما من الله تعالى، وهي النعمة الشاملة لخير الدنيا والآخرة إظهارًا لشدة رحمته ورغبة في وصول الخير العظيم من المولى الكريم إليهما، واعترافًا بعجزه عن مجازاتهما. يدعو لهما هكذا في حياتهما وبعد مماتهما، أما في حياتهما فيدعو لهما بالرحمة سواء كانا مسلمين أم كافرين، ورحمة الكافرين بهدايتهما إلى الإسلام، وأما بعد الموت فلا يسأل الرحمة لهما إلا إذا ماتا مسلمين لقوله تعالى: