فسألتها: «هل لك أن تبوحي بالسر؟» - «أنا باشا، فهل هذا يساعدك على أن تعرفني؟» - «باشا؟ أخشى أن أقول إن هذا لا يساعدني قط.» - «إذن، فسأقدم لك شاهدا آخر لعله يهديك إلى معرفتي، لقد كنت أدفع عربة فحم في مناجم ألجفرفكا.»
ثم تذكرت فجأة فصحت: «رباه! وهل يمكن أن تكون هذه باشا نفسها؟» ثم ضحكنا وضممتها إلى صدري وأنا مغتبط جذل.
وصحت حين انضم إلينا ألكسي: «اليوشا! ها هي ذي باشا، لقد كانت حين رأيتها آخر مرة حالكة السواد كالفحم، ممزقة الثياب.»
وأضافت هي من عندها: «وأمية لا تقرأ ولا تكتب.»
وزدت على ذلك قولي: «نعم، ولكن انظر إليها الآن، فهي طالبة ومثقفة تعجب من يراها، هذا فضلا عن ملامحها الجميلة التي كان يخفيها تراب الفحم، ألا ما أعظم هذا النصر الذي ظفرت به الثورة!»
والحق أن هذا الانقلاب كان مدهشا خارقا للعادة، حتى لقد كان من أصعب الأشياء على الإنسان أن يتبين فيها أثرا من آثار الفتاة القروية المكتئبة المتأخرة، ذات الخرق البالية حول قدمها، والغدائر الطويلة المرسلة على ظهرها، التي عرفتها في مناجم الفحم، وتذكرت ساعتئذ أنها كانت في أيامها الماضية أشبه بحيوان بري مصيد تقاوم كل ما نبذله من جهود لتمدينها.
وسجلت في أعماق عقلي ما طرأ على باشا من تطور، وأضفته إلى محاسن الثورة لأوازن به ما يعادله من مساوئها.
وتوثقت الصداقة بين ألكسي وباشا وازدهرت، وأحسست أني أنا راعي هذه الصداقة والحفيظ عليها.
وأفلحنا في إصلاح أحوال البيت وحجر النوم بفضل سوفيت مدينة خاركوف والصحف المحلية التي تنطق بلسان الحزب، فزيدت مقرراتنا من الطعام، وأنشئت عدة مغاسل في الطبقة السفلى من البناء، وجهزت بما يلزمها من الأدوات، وتألفت جماعات متطوعة لنظافة الدهاليز أكثر من ذي قبل، وأنشئ في البناء حانوت لحلق الشعر به حجرة للزينة، وكان هذا أعظم شيء ظفرنا به، وإذ كنت أنا المشرف على هذه الجهود كلها فقد ارتفعت مكانتي كثيرا بين الطلاب.
ولكن حياتنا ظلت قاسية مخشوشنة رغم هذه الإصلاحات كلها.
Bog aan la aqoon