فقال الرئيس مسرعا: «قد ألمت اللجنة الآن إلماما كاملا بالوقائع، فخير لنا الآن أن تحدثنا عن شيء من أساليبك أنت أثناء الحصاد في لوجينا.» قال الرئيس ذلك بسرعة ليغير موضوع الحديث.
وقصة الحصاد في «لوجينا» هي أكبر عقبة أمامي، وقد رتبت في رأسي كيف أسلسل حوادث القصة، ووعيت ذلك في رأسي أياما لأقوله ساعة الاتهام، لكن القصة التي رتبتها في رأسي ذابت الآن على نحو لا أدريه، وتدخلت الحوادث تدخلا لم أستطع معه وضعها في خط واحد مستقيم، فاعترفت بأنني جمعت الشوفان والشعير إنقاذا للحصاد، وبأنني أقمت دارا جماعية للأطفال، وأنني لجأت إلى «وسائل حازمة» في إطعام هؤلاء الأطفال وفي إنقاذ الناس وإنقاذ الموقف جميعا. «لقد شكرني الرفيق هاتايفتش بنفسه على ما فعلت في الحصاد الذي أتممته قبل الموعد المضروب بعشرة أيام، وها هي ذي شهادة رسمية من القسم السياسي تثبت حسن صنيعي.» وناولتهم الشهادة: «ماذا أقول بعد هذا؟»
أخذت الرئيس حيرة؛ لأنني جئت إليهم مدعما بالوثائق، فلو كان في عزمه أن يسير القضية على نحو يضرني، فهو الآن في حالة من التردد، وانفتحت الطريق أمامي للنجاة، ثم سار بالأمر في طريق أخرى جديدة تنفست معها الصعداء. - «ما وظيفة أبيك؟» - «يشتغل في مصنع «بتروفسكي-لينين» ويشتغل معه هناك أخي الأصغر، أما أخي الأكبر فهو حاسب في مصنع كيميائي.» - «هل أبوك عضو في الحزب؟» - «لا.» - «وأخواك؟» - «لا.» - «لماذا كان أبوك سجينا قبل الثورة؟» - «لأعمال ثورية. في ثورة 1905م وبعدها أيضا.» - «لأي الأحزاب كان ينتمي؟» - «لم ينتم إلى حزب في حياته.» - «أواثق أنت مما تقول؟» - «كل الوثوق أي رفيقي جالمبو.» - «إذن فهل لأحد هنا من الحضور أن يقول شيئا؟»
ونهض من الرفقاء ثلاثة ليهاجموني، كما نهض كثيرون آخرون ليثنوا علي، وكان بين هؤلاء «سريوزا»، وعلى كل حال لم يكن في الأمر ما يثير الاهتمام، فأخذ الناس ينسلون خارج القاعة التدخين، فهي قضية سخيفة. وأعطيت تذكرتي.
وقبل مغادرتي للمنصة سألت أعضاء اللجنة عمن وجه إلي الاتهام في الفترة التي أقمتها في «لوجينا»، ونظروا إلى ملفات الأوراق مما يدل على أن صاحب الاتهام لم يطلب إخفاء اسمه.
فقيل لي: «صاحب الاتهام عضو في الحزب، هو الرفيق سكوبين.» - «هذا على وجه الدقة ما ظننت.» قلت ذلك مبتسما، وهكذا لم ينس لي ضابط الشرطة السرية في القسم السياسي أني رفضت الحديث معه!
أحاط بي الأصدقاء، وضغطوا على يدي، فما زالت حياتنا مفتوحة الطريق أمامنا، لا نزال رجالا في الحزب ذوي مركز حسن .
وفي أوائل سنة 1934م أعلن «الرفيق لا زار كاجانوفتش» في موسكو أن 182500 عضو طردوا من الحزب، ولا بد أن تزيد الأرقام النهائية على ذلك العدد؛ لأن عملية التطهير لم تكن قد انتهت بعد في بعض المناطق، وهكذا انتهت على هذا النحو سير مائتي ألف من الناس، وزعم «كاجانوفتش» أن الحزب قد تم «تنظيفه» بذلك وأنه قد أصبح الآن حزبا ذا عقيدة واحدة، لكن هذه النتيجة لم تلزم عن تلك المقدمات.
بل إن هذه المقدمات انتهت إلى نقيض هذه النتيجة كما أشاهد الأمر في نفسي، فعلى الرغم من أن المحنة ذهبت عني موجتها فليس إلى الشك من سبيل في أني أصبحت أكثر ارتيابا في الحزب وأكثر قلقا في أعماق نفسي من ألوف الرجال والنساء الذين قذف بهم فوق كومة المهملات السياسية، وما هو صحيح بالنسبة إلي كان صحيحا بالنسبة إلى عشرات الألوف سواي، فليقل الزعماء لأنفسهم ما شاءوا من «أن آخر ما تبقى من آثار الخروج على الحزب ومعارضة مجراه قد زال»، ليقل الزعماء في ذلك ما شاءوا، لكن الصفوف الدنيا من أعضاء الحزب كانت أعلم بالأمر من هؤلاء الزعماء.
الفصل الحادي عشر
Bog aan la aqoon