آثار الأول في ترتيب الدول
للحسن بن عبد الله العباسي
المتوفي عام 710ه-1310م
حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه
الدكتور عبد الرحمن عميرة
دار الجميل
بيروت
Bogga 38
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليه توكلى، الحمد لله الواحد في عظمتو، الماجد في قدرته، القديم
ازليته، العليم في ابديته ، الفرد في وحدانيته ، الصمد في سرمديته ، الحكيم فى عزته، الذي خلق الخلق بحكمته، وبسط الرزق بقسمته ، فاوجد الانسان بلطيف صنعته، وشرفه باحسن تقويم فى تكوينه وصورته ، وجمع فيه محامد العقل وفطرته، وفضله على سائر الخلق (1) من بريته، وسخر له ما في البر والبحر(2) بإرادته، وقدر الأجال(2) بمشيئته، واوضح السبل بمعونته، فمن أهتدى فبرحمته، ومن ضل فإنما(1) يضل على نفسه الخيبته .
احمده على ما اسدى من جزيل نعمته وازدى من جميل صنعته .
Bogga 39
واشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له في ملكه والاهيته، ولا ضد له في ربوبيته، واشهد ان محمدا عبده ورسوله ارسله من اشرف خليقته فكان اعرفهم بحقيقته، المخصوص بافضل كرامته، المبعوث إلى كافة(1) الئاس برسالته لينقذهم من ظلمة الضلال ببعثته، ويوقظهم من سنة الغفلة بنصيحته، فاوضح لهم الأحكام بشريعته ، وبين لهم الحلال والحرام بفصاحته، وعرفهم الطريق إلى الله بهدايته، وبشرهم بما اعد لهم الرحمن لرحيم في جنته()، وانذرهم مما اعتد لهم فى ناره(3) وعقوبته، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وعترته، فالسعيد السعيد من كان في ذمته مقتديا به في معاملته، ملازما على فرضه وسنته، تابعا لاله وخليفته ، مستمسكا بحبل اثر صحابته، ينسج على منوال العالمين العاملين من رفقته ، ويقفو ثر العافين العارفين من امته، والشقى الشقى من تفوه بمخالفته، واغتر باقبال الدار الفانية لشقاوته، وذلك امهالا لا اهمالا من عالم سريرته. فاعاذنا الله من محنته، ورزقنا الملازمة على طاعته، والاخلاص فى عبادته ، والانتقال اليه على فطرته، وحشرنا مع سيد البشر وفي زمرته وعصمنا من أبي مرة، ونصرنا عليه وعلى ذريته.
وبعد
اني لما رايت انوار شعاع شمس الأيام السلطانية قد بزغت على
Bogga 40
اقطار الأرض من فلك مركز الديار المصرية، وتثبتت اركان دعائم الإسلام بالهمم العالية الركنية، وتقوم اعوجاج حظوظ النفوس الشهوانية، وآشتد أزر العصابة المحمديه، وتشمخت جبال احد الشريعة الاحمدية، وتشرفت المراكب بالمواكب الملكية المظفرية، مد الله ظل إحسان مالكها على الأمم ، وملك يد اقتدارو رقاب العرب والعجم، واعدم بوجود جوده ما ذكر من العدم، ونصر بعزائمه الإسلام حيث الغيوم نقع، والبروق سيوف، والوبل نبل، والديم دم، ولا زالت ملائكة النصر حافة بالويته، وملوك العصر متشرفة بعبوديته، قائمة بما يجب عليها من حقوق طاعته وخدمته، وقلوب الخلق مجبولة على موالاته ومحبته متفيئة بظلال فضله ونعمته وشأفة الاعداء مستاصلة بسيوف سطوته ونقمته، ولا برحت اعلام نصرو خافقة ف الخافقين، متولية يد امره ممالك المشرقين والمغربين عالية همم إحسانه على هامات الفرقدين جديدة ملابس سعادته على ممر الجديدين، مقتبسة نانوار مساعيه انوار النيرين، متشبهة ايام سيرته العادلة بسيرة العمرين (1)، فقبل المملوك الأرض شكرا لله معفرا خديه في الثرى، مستمسكا بيد الامال في الخدمة الشريفة باوثق العرى، مستمطرا من النعم الوافية اوفر ما عم الورى، لان موارد سلطانه للواردين صافية، وظلال آمتنانه على الصادرين متوافية وإقبال احسانه لمرضى الاملين معافية.
قرى الناس في اثوابه ورحابها كانهم من فرط كثرتهم نما
قد آزدحموا في مورد الفضل والعطا وكل امرىء قد عمه ذلك الفضل
Bogga 41
فرمت ان اقدم هدية لخزانته الشريفة، وتحفة اتقرب بها إلى مقام جلالته المنيفة، وتعذر ان يقدم اليه الأ بقايا انعامه، ولا تسقى كل ارض بصيب غمامه، فإن خزانته العالية مجمع الأخاير والذخائر، وراحته المتوالية تشمل المقيم والسائر.
هذا مع ما خصه الله به من الفطرة الزكية والفطنة الذكية، والدي المتين وحسن اليقين، وجميل الظن بزيارة المشائخ والفقراء وجزيل بره مع النظر التام في مصالح الاجناد والأمراء، والرفق بالرعيه والعمل بالأحكام الشرعية مضافا إلى ما تكامل فيه من فضائل الشجاعة والفروسية، وإحكام الأمور الحربية والضوابط السياسية، والهمم العلية والسيرة العادلة المرضيه، فضائل حباه الله بمجموعها، وخصائل حسن منظورها مع مسموعها، فلهذا رقاه الله ذروة المعالى أفضالا، وملكه رقاب عبيده انعاما عليه وإجلالا، فأفتخر على ملوك العصر وزاده نوالا، فاضحت بدايته نهاية غيره هكذا وإلا فلا لا
لله من ملك اذا ما لامست كفاه بحرا صار ذاك زلالا
ملك غدت كل الملوك ببابه مستمطرين نواله إفضالا
مستمسكين بحبل عروته التي اضحى غمام جميلها هطالا
ملك بدايته نهاية غيرو كالبدر أول ما يكون هلالا
كمل الخصائل ذو المكارم والتقى فالله يكفيه الزمان كمالا
الهمه الله العدل والانصاف، وعلمه ان يتصف بهذه الأوصاف، وفهمه الطريق الواضحة إليه، ووسمه بسيم الأولياء منة من الله عليه، ورسمه برسم قالب الكرامة، وحكمه في ملكه وخلقه في صحه منه وسلامة.
هذا بعدما اوضح له مالكه احوال الرعية عيانا، فاحاط بها ظاهرا وباطنا معرفة وتبيانا، ولم يبق له عذر عن إزاحة عذرهم وحسن النصر الكريم في مصالح امرهم، فإنه لم تنطو عليه الأحوال البرانية ولم تعزب عنه
Bogga 42
الأسرار الجوانية، فلما اطلع عالم سريرته على حسن سيره وسيرته، فوض اليه امور بلاده وملكه رقاب عباده، فركب في برج السعادة اسرع طرفة العين، ودانت له البلاد والعباد في البرين والبحرين ، وأيده بملائكة نصره فترعرعت لركوبه ابطال الثقلين، والبسه من خلع الهيبة والوقا درعين حصينين، وقلده من سلاح العظمة في التقليد بسيفين، وشرفه من حزائن العز بتشريفين، وتفاءل من تفاءل به عند ركوبه، فطلع فاله(*) غاية مطلوبه قوله تعالى في القران الكريم وما جعله الله إلأ بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلأ من عند الله العزيز الحكيم)(1).
فاستبشر به وسكنت هيبته ومحبته قلوب الخاص والعام واغدق على ارباب دولته بالتشاريف والإنعام فكان قبوله لها دليل إقبالها، وتلقيها بحول الله وقوته اصل استقبالها، فكانت يومئذ هي اولى له وهو اولى لها، كما قيل
فلم تك تصلح الأ له ولم يك يصلح إلا لها
ولو رامها احد غيره لزلزلت الأرض زلزالها
ادخرها الله له في قدم قدم قدمه وهيأه لها كما كان في سابق علمه وحكمه، فلما ان وقتها نشر في الخافقين علمه، وامضى في رقاب الأعداء سيفه، وجرى بالأرزاق قلمه.
Bogga 43
ن شاء يسمع منى اصوب الكلم فليجتلي دررا رصعتها بفم زيجتني ثمرات من مكارم من احيا النفوس بطامي جوده الشبم خصائص جمعت في سيد ملك اضحى عن الناس حقا كاشف الغمم فاقت ماثره كسرى وفاق على امثاله نبا بالسيف والقلم فهو الذي خضعت اسد الحروب له ودانت الخلق طوعا قبل في القدم لانه ملك كل الملوك عدت في بابه طاعة من جملة الخدم هماته لم تزل فوق السماك علا وهكذا تبلغ العلياء بالهمم قد مد للعدل بسطا غير واحدة ومد احسانه ظلا على الأمم اجاد بالعفو والمعروف ابنيه بها من المجد قصرا عالى الهرم راحاته بخلت سح السحاب ندأ فمن يكن حاتم الطائى في الكرم يروي العفاة بخمس من اصابعه فضلا على الثيل مدرارا لمغتنم لان ذا التيل يروي في زيادته من بعد ست وعشر جدن بالعنم والفرق بينهما لا شك متضح معناه اشهر من نار على علم وحسبك الان من اضحت مكارمه تمحو عن الناس اصنافا من العدم فهو المظفر بآلتاييد قد تشرت والنصر راياته والعز والحكم وهكذا لم تزل اراؤه ابدا صوابها بحساب غير منخرم بالحزم والعزم مع ما انه ملك ما زال واسطة للناس كلهم اقام للملك اركانا مشيدة نعم وللدين ركنا غير منهدم صحت له في رضا الباري معاملة مع القبول بحبل غير منصرم لما تواضع اجلالا لعزته ذلت لديه رقاب العرب والعجم وعزه منهآ منه عليه وقد اعطاه ملكا عزيزا غير متهم ما زال في صلب الأجداد متشحا بالرشد والدين والإيمان والعصم حتى إذا شرف المريخ أظهره في برج سعد المعالي بارىء النسم مويدا برداء النصر مشتملا مطرزا بطراز الجود والنعم
Bogga 44
مجاهدا في سبيل الله مجتهدا بسيفه الباتر السفاك في القمم
ما أضرمت نار حرب يوم معمعة إلا وكان لها كالزاخر العرم
قد فاز بالحج مبرورا مناسكه مع الجهاد وبذل الخيل والنعم
فتارة يستقى من زمزم غدقا وتارة للعدى يسقي كؤوس دم
ولأمة الحرب يوما وهو لابسها ويلتقى يوم بالإحرام في الحرم
وجامعا لشتيت المكرمات فلم يدع بمعناه مفعولا لمن يرم
وذاك إيداع سر فيه من صمد اعطاه من اوفر التوفيق في القسم
فالحمد لله اذ خص الأنام به لانه حسن الاخلاق والشيم
والله يبفى لنا أيامه ابدا ما دام يجلى صباح غشوة الظلم فخلد الله ملكه ما أتصل ليل بفجره، واعز الإسلام ببقائه وتاييد نصره، ونظم في سلك السعادة أيام دهره، واجرى الأقدار بنفاذ نهيه وامره، وجمل الدنيا بأمتداد زمنه وعصره، وأدام فى ملكوت السموات والأرض علو قدره، فلم يكن بد من خدمة تنبىء عن صدق الاخلاص في الولاء وصحه قصد الاشخاص والانتماء؛ فاستخرت الله تعالى في جمع هذا الكتاب وتاليف ما فيه من اللباب في قواعد المملكة ومبانيها واسرار السياسة ومعانيها، وتدبير الدولة الفاضلة وتقرير السيرة العادلة، وذلك على سبيل الإذك وتنبيه الأفكار كما ورد في الكتاب المبين ، قال الله تعالى، وهو اصدق القائلين وذكر فإن الذكرى تنفع المومنين)(1). وسميته كتاب «اثار الأول في ترتيب الدول». وقد رتبته على اربعة اقسام. كل قسم يشتمل على ابواب وفصول وضوابط واصول.
Bogga 45
في الضوابط والأصول وقواعد المملكة
هو عشرةآ ابواب
الباب الأول في فضل الملك وشرفه، والحاجة اليه . الباب الثاني في اركان الملك، ودعائمه وأسه وقوانينه. الباب الثالث في مجموع الملك، وهيئته وخصاله وأبهته . الباب الرابع في ما يجب للملوك على الرعية، وما للرعية على الملوك. الباب الخامس في حسن السيرة مع الملوك المجاورين والقبائل الاوداء
والمعاندين. الباب السادس في سيرة الملك مع امراء دولته واركان مملكته . الباب السابع فى سيرة الملك مع العلماء وحفاظ الشريعة والفضلاء. الباب الثامن في حسن سيرته مع النساك والمشائخ وقبول نصائحهم. الباب التاسع في سيرته مع دوي الشرف والبيوتات وإعانتهم. الباب العاشر في سيرته مع التجار والقاصدين والصناع والمزارعين.
Bogga 47
في ذاته مع خواصه وخدمه، وهو ثمانية ابواب الباب الاول في ادب الدخول عليه، ومخاطبته ومجالسته . الباب الثانى في ذكر الوزراء واختيارهم، وما يجب لهم وعليهم. الباب الثالث في الكتاب وارباب الدواوين، وما لهم من الرسوم والقوانين الباب الرابع في ولاة المظالم، وإنصاف المظلوم من الظالم الباب الخامس في أصحاب البرد والأخبار والعيون. الباب السادس فى الحجاب والتقباء والحرس والاعوان. الباب السابع في الرسل واختيارهم، وهدايا الملوك وإتحافهم. الباب الثامن في صحبه السلطان وشرائطها، وما يحمد ويدم من ذلك.
Bogga 49
الأمور المختصة بالملك وحاشيته،
هو عشرة أبواب
الباب الأول في هيئة الملك ولباسه وركوبه وموكبه وجلوسه ، وآنفراده وبخصائص يميز بها. الباب الثانى فى ادب خواص الملك معه في جميع احواله. الباب الثالث في ادب الأولاد والأقارب، وحسن السيرة معهم. الباب الرابع في الحرم، وسياست
الباب الخامس في سيرة الملك مع مماليكه والخدم، وتفضيلهم. الباب السادس في طعام الملك والادب فيه . الباب السابع في مجلس المنادمه والمسامرة، وسماع التلاوة. الباب الثامن في مجلس السماع وراحة النفس، وآختيار ذلك. الباب التاسع فى الرياضه واللعب بالكرة والمطاردة. الباب العاشر في الصيد والقنص وصفات الجوارح والكواسر وأمراضها وعلاجاتها.
Bogga 51
لحروب وهو عشرة
الباب الأؤل في وصف اجناس الناس ، واختلاف اطوارهم الباب الثاني في فضل الشجاعة وحدها. الباب الثالث فى الفروسيه ورباضة الخيل والركوب. الباب الرابع في اتخاذ السلاح وصفة الرمي والطعان والتقاف. الباب الخامس في تولية الأعمال والمدن والامصار. الباب السادس في حفظ الثغور والقلاع وما يجب من امورها. الباب السابع فى الحروب والمصافات وتعبئة العساكر. الباب الثامن في وصف ما ينبغي ان يفعله الهازم والمهزوم. الباب التاسع في الحصار وما يفعله الحاصر والمحصور. الباب العاشر فى حروب البحر وصفاته
ونبتدىء الان بما سبق ذكره على ترتيبه.ا
Bogga 53
القسم الأول في الضوابط والأصول والقواعد، وهو عشرة ابواب
Bogga 55
الباب الأول
في فضل الملك وشرفه والحاجة الداعية إليه فضل الملك وشرفه اعلم أيدك الله أن الملك فضل إلهي ينعم الله به على من يصطفيه
خلقه قال الله تعالى إن الله آصطفاه عليكم وزاده بسطة فى العلم والجسم والله يؤتى ملكه من يشاء)(1) قال المفسرون اصطفاه بمعنى آختاره، والبسطة لها تاويلان احدهما: سعة في علم الدين . والثاني زيادة في علم الحروب وعظم في خلقة الجسم. وقال عز من قائل ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض الك الله ذو فضل على العالمين)() والإشارة في ذلك إلى الذين بهم الدفع ومنهم النفع ولولا ردع الملوك لتغالبت(2) الناس وتهارجت(4)، وطمع (1) سورة البقرة (اية رقم 247). (2) سورة البقرة (اية رقم 25) (3) غالبه مغالبة وغلابا بالكسر، وتغلب على البلد: استولى عليه قهرا، والغلاب - بالتشديد -:
الكثير الغلبة. والمغلب بفتح اللام وتشديدها (المغلوب) مرارا. وحدائق غلب. والغلبة والغلبة: (4) التهارج: الفتنة. والهرج: الفتنة والاختلاط، وبابه ضرب، وفسره التبى - فى أشراط الساعة
بالقتل.
Bogga 57
بعضهم في بعض، واستولى الأقوياء على الضعفاء وتمكن الأشرار من الأخيار، فيضطرون الى التشرد والتفرد، وفي ذلك خراب البلاد وفناء العباد فإن الجنس الإنساني مضطر الى التالف والتجمع فى إتمام معيشته وانتظام حال بنيته، فيحتاج إلى سياسه تقيم امره على الاستقامة .
وقال الله تعالى: {قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتن الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير)(1) فقرن الملك بالعزة ونبه على فضله وشرفه بهذه الإضافة.
وقال تعالى حاكيا عن فضل شكر يوسف عليه السلام رب قد اتيتن من الملك وعلمتنى من تاويل الأحاديث)(2) قيل هو العلم باحداث الزمان وقيل هو تعبير الرؤيا.
وقال تعالى حاكيا عن موسى عليه السلام يا بني إسرائيل * اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم انبياء وجعلكم ملوكا)(2) فهو نعمة الله السابغة.
وقد شبه بعض الفضلاء الملك بالروح والرعية بالجسد، فلا قوام للرعية الا بالملك كما لا قوام للجسد إلا بالروح
ثم فصل ذلك فنسب العيون إلى الحجاب، ونسب الأذن إلى اصحاب الأخبار والجواسيس ، ونسب اليد والأصابع إلى الجند والاعوان، ونسب جل إلى المراكب من سائر الأصناف، ونسب الشعر إلى الزينة والجمال، ونسب الاحشاء إلى الحرم . وقد شبهه بعضهم بالشمس التي بها نور العالم وضياؤه وصلاحه ونماؤه.
Bogga 58
وقال معاوية بن أبي سفيان(1): «نحن الزمان، فمن رفعناه ارتفه
ومن وضعناه اتضع).
وقيل لبعضهم هل ينتظم حال بلد بغير ملك؟ قال: نعم إذا كان كل من فيها حكيما فاضلا، وهذا نادر.
وقال الشاعر: لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
ولؤ لم يكن فى شرف الملك وعظيم خطره إلا ما اشار إليه الحديث النبوي فى قوله عليه الصلاة والسلام: «السلطان ظل الله في الأرض ياوي إليه كل ملهوف»(2) لكان ذلك من ادل الدلائل على جليل خطره وعظيم موقعه وشرف مرتبته واثره.
ولم تزل الملوك تعظمها الأمم الخالية المؤتلفة والملل المختلفة، وتشرفها
Bogga 59
وتدين بطاعتها سيما ملوك الفرس، فإن الفرس تبلغ في تبجيل ملوكها الغاية القصوى وطائفة من الهند كانوا يتخذون الملوك اربابا. وكذلك اهل مصر كفرعون موسى عليه السلام، واسمه الوليد بن مصعب، وفرعون يوسف واسمه الريان بن الوليد بن دومغ في قول يوسف *اذكريى عند ربك»(1)
وقد روي عن رسول الله لله أنه قال لرسول كسرى الذي ورد إليه بحمله «اخبرني ربى أن ربك هلك البارحة »(2) واستمهله مسافة الطريق فكان كما قال عليه السلام.
فيجب على من انعم الله عليه بهذه النعمة وهذه الرتبة أن يزداد تواضعه لله تعالى وانكساره وانقياده للشريعة واجتهاده في تنفيذ احكامها بسبب قربه منها.
وقال أزدشير بن بابك(2) في عهده: «الدين اس الملك والملك حارس الدين فما لا اس له فمهدوم وما لا حارس له فمعدوم» وقد ظهر ذلك ى بيان قوله تعالى ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع
Bogga 60
بيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرأ))(1) فهذه إشارة إلى أن بعص الة س يحامون عن البيع والمساجد ان تهدم ويقوى امر الدين ويحملون
س عليها وهم الملوك.
Bogga 61
في أركان الملك
ودعائمه واسه وقرانينه
نبتدئ أولا فى مقدمة جميلة تتضمن الضوابط السلطانية إذا كان الملك محافظا على الشريعة محسنا إلى متبعها معاقبا لمتجنبها، محصنا للاسرار، متخيرا للوزراء والعمال، مهيبا في انفس الرعية، مثمرا للاموال، مقدرا لما ينفق، كان جديرا بثبات الملك وحسن الذكر وانقطاع امل من يروم الخلل فى دولته، واي ملك خالف الشريعه خالفته الرعية واعانت عدوه عليه، وينبغى للملك أن يكون خلقه وسطا بين الرقة والقسوة ، لان الرقة تطمع فيتحرك اهل الفساد، والقسوة تنفر عنه فيايس اهل الخير والتائب
جرمه، والأول من اخلاق البغاث(1) من الطيور ، والثانى من أخلاق لكواسر من الطير والوحش
Bogga 62
وينبغى للملك أن يكون منزها عن خمس خلال: أولها: لا يكون غضوبا حديدا فانه مع الحدة والقدرة يهلك الرعية، والغضب مرض من امراض النفس إذا حدث بها فسدت معه الآراء، ولهذا ينهى الحاكم في الشرع عن الحكم وهو غضبان(1). الثانية: لا يكون بخيلا لأنه إذا بخل اختلت عليه احوال اصحابه فعجزو عن الوفاء بالخدمه ولم يناصحوه، ولا يصلح الملك إلا بالمناصحة. الثالثة: لا يكون مخلفا لوعده ولا وعيده، فانه إن كان كذلك لم يرج ولم يخف. الرابعة: لا يكون حسودا، فان الحسود لا يسود عنده أحذ ولا يشرف، ولا يصلح الناس إلأ بساداتهم واشرافهم. الخامسة: لا يكون جبانا فانه إن كان كذلك أدى ذلك إلى جبن الأولياء واجتراء الأعداء. وقال بزرجمهر( يحتاج الملك الى اجناد يحفظون دولته، واعوان
Bogga 63