Saamaynta Carabta ee Ilbaxnimada Yurub
أثر العرب في الحضارة الأوروبية
Noocyada
فلما تناول العرب الطب كانت هذه الصناعة في المرحلة بين تناسي النظريات القديمة ونشأة النظريات الحديثة، ولم تكن العلوم في جملتها قد وصلت إلى الطور الذي يسمح بابتكار هذه النظريات، فاعتمدوا الملاحظة والتجربة، ولم يعولوا كل التعويل على التزام النظريات أو ابتكار الجديد منها، وتصرفوا في العلاج فلم يتقيدوا برأي جالينوس في علاج البرودة بالحرارة، أو الحرارة بالبرودة، بل كان منهم من يعالج البرد بالبرد في بعض الحالات، أو يجمع بين الحمية والتبريد والترطيب كما كان يفعل صاعد بن بشر، رئيس المستشفى العضدي ببغداد، وقد عرفوا العلاج بالعوض كما يؤخذ من كلامهم عن خصائص أعضاء الحيوان، فإن الدميري، صاحب كتاب الحيوان، يذكر منافع رئة الثعلب مثلا أنها تداوي الصدر؛ لأن هذا الحيوان لا يلهث إذا عدا، ويذكر غير ذلك من خصائص أعضاء الحيوان.
وسبقوا الإفرنج إلى وصف الجذام، وشرح مرضي الجدري والحصبة، وعلاج أمراض العين، وحاموا حول مذهب فرويد في الطب النفساني وعلاقته بالمسائل الجنسية على نحو تجريبي خليق بأن يحتذى في تقرير المعارف والمشاهدات، فمن ذلك أن حظية للرشيد تمطت في بعض الأيام ورفعت يدها فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها، وعولجت بالتمريخ والدهن فلم تنتفع بهما، فلما سئل جبرائيل بن بختيشوع قال للرشيد: «إن لم يسخط علي أمير المؤمنين فلها عندي حيلة، قال له الرشيد: ما هي؟ قال: تخرج الجارية إلى ها هنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريده، وتمهل علي ولا تعجل بالسخط. فأمر الرشيد بإحضار الجارية فخرجت ، فأسرع إليها جبرائيل ونكس رأسه وأمسك ذيلها كأنه يريد أن يكشفها، فانزعجت الجارية وبسطت يدها إلى أسفل ذيلها» ... فقال جبرائيل: قد برئت يا أمير المؤمنين. ولما سئل في تعليل ذلك قال: «هذه الجارية انصب إلى أعضائها وقت المجامعة خلط رقيق بالحركة وانتشار الحرارة، ولأجل أن سكون حركة الجماع يكون بغتة جمدت الفضلة في بطون الأعصاب، وما كان يحلها إلا حركة مثلها، فاحتلت حتى انبسطت حرارتها وحلت الفضلة فبرئت».
ويروى عن ابن سينا أنه دعي لعيادة فتى مريض لم يهتد الأطباء إلى علته، فأمر باستدعاء رجل من عرفاء المدينة، وتناول يد الفتى يجس نبضها ويرقب وجهه، وطلب من العريف أن يسرد أسماء الأحياء في المدينة، فسردها حتى جاء ذكر حي منها فازداد نبض الفتى، ثم سأله أن يذكر بيوت الحي، فازداد نبض الفتى عند واحد منها؛ فسأله عمن في البيت من الفتيات، وقال لأهل الفتى: زوجوه تلك الفتاة؛ فهذا هو الدواء.
وعالج أطباء العرب الجنون علاج الأمراض الطبيعية، وقد كان يسمى عند الإفرنج بالمرض الإلهي أو المرض الشيطاني؛ لأنهم كانوا يحسبونه من إصابات الأرواح أو الشياطين. •••
واقترنت بحوث العرب في الطب ببحوثهم في الكيمياء؛ فاستفاد الأوروبيون منهم كثيرا في هذا العلم المستحدث، وربما كانت فائدتهم من دروس العرب الكيمية أعظم مما استفادوه من دروسهم الطبية.
فالقلويات معروفة في مصطلحات الكيمياء الحديثة باسمها العربي
Alkali ، وماء الفضة - وهو من أهم الحوامض المستخدمة في التجارب الكيمية - لم يظهر وصفه في كتاب قبل كتب جابر بن حيان، وهو صاحب الفضل فيما عرفه الأوروبيون عن ملح النوشادر وماء الذهب والبوتاس وزيت الزاج وبعض السموم.
وقد ترجم له كتابه السبعون وكتاب تركيب الكيمياء إلى اللغة اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر، وظلت كتبه عمدة في هذا العلم بين الأوروبيين إلى أواخر القرن السابع عشر، فترجم كتابه الاستتمام إلى اللغة الفرنسية سنة 1672.
ونقلت كتب الرازي كما نقلت كتب جابر بن حيان، ومنها تلقى الأوروبيون تقسيم المواد الكيمية إلى نباتية وحيوانية ومعدنية، وتقسيم المواد المعدنية أدق تقسيم عرف في العصور الوسطى، ولعل التاريخ الأوروبي لم يتأثر بشيء من كشوف العرب في المعدنيات كما تأثر بكشف البارود واستخدامه في قذائف الحصار وأسلحة القتال.
وفي الطبيعيات أخرج العرب الثقل النوعي لكثير من العناصر والجواهر النفيسة، ونقلوا رأي الإغريق في الجاذبية وتعليل الثقل، وفحواه أن الأجسام الثقيلة مجذوبة إلى أصلها في السماء، ولكن البيروني شك في ذلك، ووجه إلى ابن سينا سؤاله الذي يدل على ميله إلى القول بأن الأجسام كلها مجذوبة إلى مركز الكرة الأرضية، وذلك حيث يقول: «ما الصحيح من قول القائلين: أحدهما يقول: إن الماء والأرض يتحركان إلى المركز، والهواء والنار يتحركان من المركز، والآخر يقول: إن جميعها يتحرك نحو المركز، ولكن الأثقل منها يسبق الأخف في الحركة إليه؟»
Bog aan la aqoon