At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Noocyada
الشَّرْحُ
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: اللَّامُ هُنَا لِلتَّعْلِيْلِ، فَفِيْهَا بَيَانُ سَبَبِ خَلْقِ اللهِ تَعَالَى لِلجِنِّ وَالإِنْسِ.
- مَعْنَى (يَعْبُدُوْنَ) هُنَا أَيْ: يُوَحِّدُوَن (١)، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ المُشْرِكِيْنَ كَانُوا يَعْبُدُوْنَ اللهَ تَعَالَى وَكَانُوا يَعْبُدُوْنَ مَعَهُ غَيْرَهُ، فَلَمَّا أُمِروا بِالعِبَادَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُم لَمْ يَكُوْنُوا عَلَى عِبَادَةٍ مَرْضِيَّةٍ مِنَ اللهِ تَعَالَى.
فَكُلُّ عِبَادَةٍ فِيْهَا شِرْكٌ لَا تَكُوْنُ مَقْبُوْلَةً عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، كَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا؛ قَالَ اللهُ ﵎: (أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيْهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ). (٢)
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: فِيْهِ أُسْلُوْبُ الحَصْرِ، فَإِنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيْدُ الحَصْرَ، وَالمَعْنَى: خُلِقَتْ الجِنُّ وَالإِنْسُ لِغَايَةٍ وَاحِدَةٍ هِيَ العِبَادَةُ للهِ وَحْدَهُ دُوْنَ مَا سِوَاهُ.
- قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُوْلًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوْتَ﴾: أَوْرَدَ المُصَنِّفُ ﵀ هَذِهِ الآيَةَ لِبَيَانِ مَعْنَى العِبَادَةِ فِي الآيَةِ السَّابِقَةِ؛ وَأَنَّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ الرُّسُلُ هُوَ التَّوْحِيْدُ، وَهُوَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَمَعْنَاهَا نَفْيُ الأُلُوْهِيَّةِ الحَقِّ عَنْ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى؛ وَإِثْبَاتُهَا للهِ وَحْدَهُ، وَالنَّفْيُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِاجْتِنَابِ الطَّاغُوْتِ، وَالإِثْبَاتُ مُضمَّنٌ فِي الأَمْرِ بِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى.
- الطَّاغُوْتُ مَأْخُوْذٌ مِنَ الطُّغْيَانِ، وَهُوَ كُلُّ مَا تَجَاوَزَ بِهِ العَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُوْدٍ أَوْ مَتْبُوْعٍ أَوْ مُطَاعٍ. (٣)
- الطَّوَاغِيْتُ كَثِيْرَةٌ وَرُؤُوْسُهَا خَمْسَةٌ: (٤)
١) الشَّيْطَانُ الدَّاعِي إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِيْنٌ﴾ (يَس:٦٠)، وَالشَّيْطَانُ هُوَ الَّذِيْ زَيَّنَ مَعْصِيَةَ اللهِ تَعَالَى، وَزَيَّنَ طَاعَةَ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى. (٥)
٢) الحَاكِمُ الجَائِرُ المُغيِّرُ لِأَحْكَامِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِيْنَ يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيْدُوْنَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوْتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيْدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾ (النِّسَاء:٦٠).
٣) الَّذِيْ يَحْكُمُ بِغَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللهُ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَافِرُوْنَ﴾ (المَائِدَة:٤٤). (٦)
٤) الَّذِيْ يَدَّعِي عِلْمَ الغَيْبِ مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُوْلٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ (الجِنّ:٢٦). (٧)
٥) الَّذِيْ يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ وَهُوَ رَاضٍ بِهَذِهِ العِبَادَةِ، وَالدَّلِيْلُ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُوْنِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِيْنَ﴾ (الأَنْبِيَاء:٢٩).
_________
(١) وَقَدْ سَلَفَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي التَّفْسِيْرِ.
وَفِي البُخَارِيِّ (١٣٩/ ٦) - كِتَابُ التَّفْسِيْرِ - سُوْرَةُ الذَّارِيَاتِ - ﴿وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُوْنِ﴾: مَا خَلَقْتُ أَهْلَ السَّعَادَةِ مِنْ أَهْلِ الفَرِيْقَيْنِ إِلَّا لِيُوَحِّدُونِ. وَالفَرِيْقَانِ هُمُ الجِنُّ وَالإِنْسُ.
(٢) مُسْلِمٌ (٢٩٨٥).
(٣) (إِعْلَامُ المُوَقِّعِيْنَ) (٤٠/ ١) لِابْنِ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.
(٤) قَالَهُ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الوَهَّابِ ﵀، اُنْظُرْ مَجْمُوْعَةَ التَّوْحِيْدِ النَّجْدِيَّةِ (ص١٦٠).
(٥) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٥٠٩/ ١): (وَلَعَلَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ المُرَادَ الِاسْتِقَامَةُ عَلَى التَّوْحِيْدِ؛ إِنَّمَا أَرَادَ التَّوْحِيْدَ الكَامِلَ الَّذِيْ يُحَرِّمُ صَاحِبَهُ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ تَحْقِيقُ مَعْنَى لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ الإِلَهَ هُوَ المَعْبُودُ الَّذِيْ يُطَاعُ؛ فَلَا يُعْصَى خَشْيَةً وَإِجْلَالًا وَمَهَابَةً وَمَحَبَّةً وَرَجَاءً وَتَوَكُّلًا وَدُعَاءً، وَالمَعَاصِي كُلُّهَا قَادِحَةٌ فِي هَذَا التَّوْحِيْدِ لِأَنَّهَا إِجَابَةٌ لِدَاعِي الهَوَى وَهُوَ الشَّيْطَانُ، قَالَ اللهُ ﷿ ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾ (الجَاثِيَة:٢٣) قَالَ الحَسَنُ وَغَيْرُهُ: هُوَ الَّذِيْ لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، فَهَذَا يُنَافِي الِاسْتِقَامَةَ عَلَى التَّوْحِيْدِ).
(٦) وَهُوَ بِقَيدِ الاسْتِحْلَالِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄: (مَنْ جَحَدَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فَقَدْ كَفَرَ، وَمَنْ أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَحْكُمْ؛ فَهُوَ ظَالِمٌ فَاسِقٌ). تَفْسِيْرُ الطَّبَرِيِّ (٣٥٧/ ١٠).
وَقَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀ فِي الصَّحِيْحَةِ (٢٥٥٢): (جَيِّدٌ فِي الشَّوَاهِدِ).
(٧) (قَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيْتُ الَّتِيْ يَتَحَاكَمُوْنَ إِلَيْهَا؛ فِي جُهَيْنَةَ وَاحِدٌ وَفِي أَسْلَمَ وَاحِدٌ وَفِي كُلِّ حَيٍّ وَاحِدٌ؛ كُهَّانٌ يَنْزِلُ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٥/ ٦) تَعْلِيْقًا، وَوَصَلَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِم مِنْ طَرِيْقِ وَهَبِ بْنِ مُنَبِّه. انْظُرْ كِتَابَ (فَتْحُ البَارِي) (٢٥٢/ ٨) لِلحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ ﵀.
1 / 8