At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Noocyada
بَابُ تَفْسِيْرِ التَّوْحِيْدِ وَشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ يَبْتَغُوْنَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيْلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُوْنَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُوْنَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُوْرًا﴾ (الإِسْرَاء:٥٧).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيْمُ لِأَبِيْهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُوْنَ، إِلَّا الَّذِيْ فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِيْنِ، وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْنَ﴾ (الزُّخْرُف:٢٨).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللهِ﴾ (التَّوْبَة:٣١).
وَقَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَمِنِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُوْنِ اللهِ أَندَادًا يُحِبُّوْنَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ (البَقَرَة:١٦٥).
وَفِي الصَّحِيْحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ؛ أَنَّه قَالَ: (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ ﷿. (١) وَشَرْحُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ مَا بَعْدَهَا مِنَ الأَبْوَابِ.
فِيْهِ أَكْبَرُ المَسَائِلِ وَأَهَمُّهَا: وَهِيَ تَفْسِيْرُ التَّوْحِيْدِ، وَتَفْسِيْرُ الشَّهَادَةِ، وَبيَّنَهَا بِأُمُوْرٍ وَاضِحَةٍ.
مِنْهَا: آيَةُ الإِسْرَاءِ، بَيَّنَ فِيْهَا الرَّدَّ عَلَى المُشْرِكِيْنَ الَّذِيْنَ يَدْعُوْنَ الصَّالِحِيْنَ، فَفِيْهَا بَيَانُ أَنَّ هَذَا هُوَ الشِّرْكُ الأَكْبَرُ.
وَمِنْهَا: آيَةُ بَرَاءَة، بَيَّنَ فِيْهَا أَنَّ أَهْلَ الكِتَابِ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم أَرْبَابًا مِنْ دُوْنِ اللهِ، وَبَيَّنَ أَنَّهُم لَمْ يُؤْمَرُوا إِلَّا بِأَنْ يَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا، مَعَ أَنَّ تَفْسِيْرَهَا الَّذِيْ لَا إِشْكَالَ فِيْهِ: طَاعَةُ العُلَمَاءِ وَالعُبَّادِ فِي المَعْصِيَةِ، لَا دُعَائُهُم إِيَّاهُم.
وَمِنْهَا قَوْلُ الخَلِيْلِ ﵇ لِلكُفَّارِ ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُوْنَ، إِلَّا الَّذِيْ فَطَرَنِي﴾ فَاسْتَثْنَى مِنَ المَعْبُوْدِيْنَ رَبَّهُ، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ هَذِهِ البَرَاءَةَ وَهَذِهِ المُوَالَاةَ: هِيَ تَفْسِيْرُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللهُ. فَقَالَ: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُوْنَ﴾.
وَمِنْهَا: آيَةُ البَقَرَةِ: فِي الكُفَّارِ الَّذِيْنَ قَالَ اللهُ فِيْهِم: ﴿وَمَا هُمْ بِخَارِجِيْنَ مِنَ النَّارِ﴾ ذَكَرَ أَنَّهُم يُحِبُّوْنَ أَنْدَادَهُم كَحُبِّ اللهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُم يُحِبُّوْنَ اللهَ حُبًّا عَظِيْمًا، وَلَمْ يُدْخِلْهُم فِي الإِسْلَامِ، فَكَيْفَ بِمَنْ أَحَبَّ النِّدَّ أَكْبَرَ مِنْ حُبِّ اللهِ؟! فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ يُحِبَّ إِلَّا النِّدَّ وَحْدَهُ وَلَمْ يُحِبَّ اللهَ؟!.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ (مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ؛ حَرُمَ مَالُهُ وَدَمُهُ، وَحِسَابُهُ عَلَى اللهِ ﷿ وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ مَا يُبَيِّنُ مَعْنَى (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلِ التَّلَفُّظَ بِهَا عَاصِمًا لِلدَّمِ وَالمَالِ، بَلْ وَلَا مَعْرِفَةَ مَعْنَاهَا مَعَ لَفْظِهَا، بَلْ وَلَا الإِقْرَارَ بِذَلِكَ، بَلْ وَلَا كَوْنَهُ لَا يَدْعُوْ إِلَّا اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، بَلْ لَا يَحْرُمُ مَالُهُ وَدَمُهُ حَتَّى يُضِيْفَ إِلَى ذَلِكَ الكُفْرَ بِمَا يُعْبَدُ مِنْ دُوْنِ اللهِ، فَإِنْ شَكَّ أَوْ تَوَقَّفَ لَمْ يَحْرُمْ مَالُهُ وَدَمُهُ. فَيَالَهَا مِنْ مَسْأَلَةٍ مَا أَعْظَمَهَا وَأَجَلَّهَا، وَيَالَهُ مِنْ بَيَانٍ مَا أَوْضَحَهُ، وَحُجَّةٍ مَا أَقْطَعَهَا لِلمُنَازِعِ.
_________
(١) الحَدِيْث رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٣) دُوْنَ البُخَارِيِّ، مِنْ حَدِيْثِ طَارِقِ بْنِ أَشْيَمَ الأَشْجَعِيِّ مَرْفُوْعًا.
1 / 33