At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Noocyada
- حُكْمُ العِبَادَةِ إِذَا خَالَطَهَا الرِّيَاءُ هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَشْكَالٍ (١):
١) أَنْ يَكُوْنَ البَاعِثُ عَلَى العِبَادَةِ مُرَاءَاةَ النَّاسِ مِنَ الأَصْلِ؛ كَمَنْ قَامَ يُصَلِّي مِنْ أَجْلِ مُرَاءَاةِ النَّاسِ، وَلَمْ يَقْصِدْ وَجْهَ اللهِ تَعَالَى، فَهَذَا شِرْكٌ وَالعِبَادَةُ بَاطِلَةٌ. (٢)
٢) أَنْ يَكُوْنَ الرِّيَاءُ مُشَارِكًا لِلعِبَادَةِ فِي أَثْنَائِهَا؛ بِمَعْنَى أَنْ يَكُوْنَ الحَامِلُ لَهُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ الإِخْلَاصَ للهِ تَعَالَى، ثُمَّ يَطْرَأُ الرِّيَاءُ فِي أَثْنَاءِ العِبَادَةِ؛ فَهُنَا نُمَيِّزُ العِبَادَةَ نَفْسَهَا؛ فَإِنْ كَانَتِ العِبَادَةُ لَا يَنْبَنِي آخِرُهَا عَلَى أوَّلِهَا (كَقِرَاءَةِ القُرْآنِ، وَالصَّدَقَةِ تِلوَ الصَّدَقَةِ)، فَأَوَّلُهَا صَحِيْحٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَالبَاطِلُ آخِرُهَا.
أَمَّا إِذَا كَانَتِ العِبَادَةُ يَنْبَنِي آخِرُهَا عَلَى أَوَّلِهَا (كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ)؛ فَإِذَا دَافَعَ الرِّيَاءَ وَكَرِهَهُ؛ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَتَكَلَّمْ). (٣)
أمَّا إِذَا اسْتَرْسَلَ مَعَهُ ولم يُدَافِعْهُ؛ فَحِيْنَئِذٍ تَبْطُلُ جَمِيْعُ العِبَادَةِ؛ لِأَنَّ آخِرَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَوَّلِهَا وَمُرْتَبِطٌ بِهَا. (٤)
٣) إِذَا طَرَأَ الرِّيَاءُ بَعْدَ انْتِهَاءِ العِبَادَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَيْهَا شَيْئًا - اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُوْنَ فِيْهِ عُدْوَانٌ كَالمَنِّ وَالأَذَى بِالصَّدَقَةِ - فَإِنَّ هَذَا العُدْوَانَ يَكُوْنُ إِثْمُهُ مُقَابِلًا لِأَجْرِ الصَّدَقَةِ فَيُبْطِلُهَا؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِيْ يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُوْنَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِيْنَ﴾ (البَقَرَة:٢٦٤).
(١) (القَوْلُ المُفِيْدُ) لِلشَّيْخِ العُثَيْمِيْن ﵀ (١٢٥/ ٢)؛ بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ.
(٢) وَكُوْنُ العِبَادَةِ بَاطِلَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا، عَدَا عَنِ الإثْمِ فِيْهَا، وَلَكِنْ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا؛ فَهِيَ سَاقِطَةٌ عَنْ ذِمَّتِهِ.
(٣) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٥٢٦٩)، وَمُسْلِمٌ (١٢٧) مِنْ حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
(٤) وَفِي بُطْلَانِهَا خِلَافٌ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ، وَقَالَ بَعْضُهُم: إَنَّهُ يُجَازَى بِأَصْلِ نِيَّتِهِ؛ وَهُوَ قَوْلُ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ جَرِيْرٍ الطَّبَرِيِّ ﵏. اُنْظُرْ كِتَابَ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (٨٣/ ١).
قُلْتُ: وَلَكِنْ يَشْهَدُ لِمَا أَثْبَتْنَا حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ المَرْفُوْعُ (قَالَ تَعَالَى: أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ؛ مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ مَعِي فِيْهِ غَيْرِي، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٢٩٨٥).
1 / 310