At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Noocyada
- الكَاهِنُ لَا يَجُوْزُ إِتْيَانُهُ وَلَوْ لِمُجَرَّدِ الاطِّلَاعِ عَلَى مَا عِنْدَهُ، وَفِي مُسْلِمٍ فِي حَدِيْثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الحَكَمِ السُّلَميِّ عِنْدَمَا سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ عَمَّنْ يَأْتُوْنَ الكُهَّانَ فَقَالَ لَهُ: (لَا تَأْتِهِم). (١) (٢)
- قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ (لَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللهِ خَلَاقٌ): أَيْ: لَيْسَ لَهُ نَصِيْبٌ مِنَ الجَنَّةِ عِنْدَ اللهِ ﷿، وَمَعْنَاهُ: أَنَّهُ كَافِرٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي السَّحَرةِ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ (البَقَرَة:١٠٢).
- البَغَوِيُّ: هُوَ مُحْيي السُّنَّةِ؛ أَبُو مُحَمَّدٍ؛ الحُسَيْنُ بْنُ مَسْعُوْدٍ الفَرَّاءُ؛ البَغَوِيُّ (نِسْبَةً إِلَى - بَغ - وَهِيَ مَدِيْنَةٌ بَيْنَ هَرَاةَ وَمَرْو فِي خُرِاسَانَ) الشَّافِعِيُّ؛ عَالِمُ خُرَاسَان وَصَاحِبُ التَّصَانِيْفِ كَالتَّهْذِيْبِ وَشَرْحِ السُّنَّةِ وَالتَّفْسِيْرِ (ت ٥١٦ هـ).
- (أَبُو العَبَّاسِ): هُوَ شَيْخُ الإِسْلَامِ؛ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الحَلِيمِ بْنُ تَيْمِيَّةَ الحَرَّانِيُّ، (ت ٧٢٨ هـ).
- قَوْلُهُ (يُخْبِرُ عَمَّا فِي الضَّمِيرِ): يَعْنِي عَمَّا فِي القَلْبِ - وَلَا يَعْلَمُ مَا فِي القُلُوْبِ إِلَّا اللهُ تَعَالَى -، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيْمٌ بِذَاتِ الصُّدُوْرِ﴾ (فَاطِر:٣٨)، لَكِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَعْرِفُ شَيْئًا مِنْ هَوَاجِسِ الإِنْسَانِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِيْ يُوَسْوِسُ لَهُ.
- الكَاهِنُ يَسْتَخْدِمُ وَسِيْلَةً ظَاهِرَةً لِلنَّاسِ فِي إِجَابَاتِهِ لِيُقْنِعَ السَّائِلَ بِأَنَّهُ وَصَلَ إِلَيْهِ العِلْمُ عَنْ طَرِيْقِهَا؛ كَالنُّجُوْمِ أَوِ الخَطِّ أَوِ الكَفِّ، وَهِيَ وَسَائِلُ لَا تُحَصِّلُ ذَلِكَ العِلْمَ، وَلَكِنَّ العِلْمَ جَاءَهُ عَنْ طَرِيْقِ الجِنِّ، وَهَذِهِ الوَسِيْلَةُ إنَّمَا هِيَ لِخِدَاعِ النَّاسِ كَيْ يَظُنَّ الظَّانُّ أَنَّهَا تُؤدِي إِلَى ذَلِكَ العِلْمِ؛ فَيَظُنَّ بِهِ الكَرَامَةَ وَالخُصُوْصِيَّةَ لَا الدَّجَلَ وَالشَّعْوَذَةَ.
- الكَاهِنُ وَالمُنَجِّمُ يَجِبُ قَتْلُهُمُ لِدَفعِ مَفْسَدَتِهِم وَمَضَرَّتِهِم - حَتَّى وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ كُفْرِهِم - لِأَنَّ أَسْبَابَ القَتْلِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِالكُفْرِ فَقَط، بَلْ لِلقَتْلِ أَسْبَابٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَمُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِيْنَ يُحَارِبُوْنَ اللهَ وَرَسُوْلَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيْهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيْمٌ﴾ (المَائِدَة:٣٣).
فَكُلُّ مَنْ أفسدَ عَلَى النَّاسِ أُمُوْرَ دِيْنِهِم أَوْ دُنْيَاهُم؛ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ، فَإِنْ تَابَ؛ وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأُمُوْرُ تَصِلُ إِلَى الخُرُوْجِ مِنَ الإِسْلَامِ. (٣)
- قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْمٍ يَكْتُبُوْنَ (أَبَا جَادٍ) وَيَنْظُرُوْنَ فِي النُّجُوْمِ: المَقْصُوْدُ بِـ (أَبَا جَادٍ) أَي حُرُوْفُ الهِجَاءِ، وَهَذِهِ يَنْقَسِمُ تَعَلُّمُهَا إِلَى قِسْمَيْنِ (٤):
١) تَعَلُّمٌ مُبَاحٌ: كَأَنْ يَتَعَلَّمَهَا المَرْءُ لِحِسَابِ الجُمَلِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ; كَمَا هُوَ مَعْرُوْفٌ عِنْدَ العَرَبِ مِنْ أَنَّهُم مَثَلًا يُؤَرِّخُوْنَ عَنْ طَرِيْقِ حِسَابِ الجُمَلِ الَّتِي يَكْتُبُوْنَهَا، فَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ.
٢) تَعَلُّمٌ مُحَرَّمٌ: وَهُوَ كِتَابَتُهَا بِكِتَابَةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِسَيْرِ النُّجُوْمِ - كَمَا هُوَ مَعْلُوْمٌ مِنْ عَمَلِ المُنَجِّمِيْنَ وَالكُهَّانِ -، حَيْثُ أَنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنَّهُم يَسْتَدِلُّوْنَ بِهَا عَلَى الحَوَادِثِ الأَرْضِيَّةِ.
(١) مُسْلِمٌ (٥٣٧).
(٢) قَالَ النَّوَوِيُّ ﵀ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ (٢٢/ ٥): (قَالَ العُلَمَاءُ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ إِتْيَانِ الكَاهِنِ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّمُوْنَ فِي مُغَيَّبَاتٍ قَدْ يُصَادِفُ بَعْضُهَا الإِصَابَةَ؛ فَتُخَافُ الفِتْنَةُ عَلَى الإِنْسَانِ بِسَبَبِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ يُلَبِّسُوْنَ عَلَى النَّاسِ كَثِيْرًا مِنْ أَمْرِ الشَّرَائِعِ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الأَحَادِيْثُ الصَّحِيْحَةُ بِالنَّهْيِ عَنْ إِتْيَانِ الكُهَّانِ وَتَصْدِيْقِهِمْ فِيْمَا يَقُوْلُوْنَ، وَتَحْرِيْمِ مَا يُعْطَوْنَ مِنَ الحُلْوَانِ، وَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ المُسْلِمِيْنَ).
قَالَ المُنَاوِيُّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَيْضُ القَدِيْرِ) (٢٣/ ٦): (وَاعْلَمْ أَنَّ إِتْيَانَ الكَاهِنِ شَدِيْدُ التَّحْرِيْمِ حَتَّى فِي المِلَلِ السَّابِقَةِ. قَالَ فِي السِّفْرِ الثَّانِي مِنَ التَّوْرَاةِ: (لَا تَتَّبِعُوا العَرَّافِيْنَ وَالقَافَةَ وَلَا تَنْطَلِقُوا إِلَيْهِم، وَلَا تَسْأَلُوْهُم عَنْ شَيْءٍ لِئَلَّا تَتَنَجَّسُوا بِهِم».
(٣) قُلْتُ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ -: إنَّمَا قِيْلَ بِالاسْتِتَابَةِ هُنَا خِلَافًا لِلسَّاحِرِ - أَنَّهُ يُقْتَلُ دُوْنَ اسْتِتَابَةٍ! - لِأَنَّ السِّحْرَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالكُفْرِ الأَكْبَرِ، أَمَّا الكَاهِنُ فَقَدْ يَكُوْنُ مِثْلُهُ؛ وَقَدْ لَا يَكُوْنُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُوْنَ مُتَعَاطِيًا لِلكَذِبِ وَالشَّعْوَذَةِ وَالتَّلْبِيْسِ دُوْنَ حَقِيْقَةِ السِّحْرِ وَادِّعَاءِ الغَيْبِ.
وَأَمَّا إِنْ ادَّعَى شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الرُّبُوْبيَّةِ فيُقْتَلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ ذَلِكَ؛ وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أقْدَرَهُ عَلَى ذَلِكَ؛ وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ سَبَبًا إِلَى ذَلِكَ العِلْمِ؛ فَمِثْلُ هَذا يُسْتَتَابُ؛ وَإلَّا قُتِلَ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(٤) القَوْلُ المُفِيْدُ (٥١٩/ ١) لِلشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِيْن ﵀ بِتَصَرُّفٍ يَسِيْرٍ -.
1 / 230