At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Noocyada
مَسَائِلُ عَلَى البَابِ
- مَسْأَلَةٌ) قَوْلُهُ (لا يَسْتَرْقُوْنَ) لِمَاذَا لَا يُحْمَلُ عَلَى النَّهْي عَنِ الرُّقَى الشِّرْكِيَّةِ المَنْهِيِّ عَنْهَا أَصْلًا (١)، فَتَكُوْنُ بِذَلِكَ الرُّقَى المَشْرُوْعَةُ غَيْرَ مَقْصُوْدَةٍ بِالحَدِيْثِ؟ وَعَلَيْهِ فَيَجُوْزُ طَلَبُ الرُّقْيَةِ مُطْلَقًا مِنَ الغَيْرِ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ شِرْكِيَّةٍ؟!
الجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
١) أَنَّ عُمُوْمَ النَّفْي فِي قَوْلِهِ (لَا يَسْتَرْقُوْنَ) شَامِلٌ لِلوَجْهَيْنِ، فَأَمَّا الشِّرْكيُّ مِنْهُ فَمُحَرَّمٌ لِمَا هُوَ مَعْرُوْفٌ مِنَ النُّصُوْصِ الكَثِيْرَةِ (٢)، وَأَمَّا المَشْرُوْعُ فَيَكُوْنُ خِلَافَ الأَوْلَى لِمَا قَدْ ثَبَتَ مِنْ جَوَازِهِ.
٢) أَنَّهُ لَوْ كَانَ المَقْصُوْدُ النَّهْيَ عَنْهَا لِكَوْنِهَا شِرْكًا، لَقَالَ ﷺ (هُمُ الَّذِيْنَ لَا يُشْرِكُوْنَ) وَلَمْ يَجْعَلْهُ لَفْظًا مُوْهِمًا مُخَالِفًا المَشْهُوْرَ عِنْدَ النَّاسِ.
فَلَفْظُ الحَدِيْثِ أَخَصُّ مِنَ الدَّعْوَى، لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِالطَّلَبِ؛ بِخِلَافِ عُمُوْمِ الرُّقْيَةِ الشِّرْكِيَّةِ؛ فَيُنْهَى فِيْهَا عَنِ الطَّلَبِ وَعَنِ الرُّقْيَةِ نَفْسِهَا أَيْضًا.
٣) أَنَّ الاسْتِرْقَاءَ هُوَ مِنْ جِنْسِ الطَّلَبِ مِنَّ النَّاسِ (٣)، وَهَذَا قَدْ دَلَّتِ الشَّرِيْعَةُ عَلَى أَنَّ تَرْكَه أَوْلَى (٤)، وَهَذَا وَحْدَهُ يُحَصِّلُ المَقْصُوْدَ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنِ الحَدِيْث نَفْسِهِ، فَكَيْفَ إِذَا جُمِعَ مَعَهُ.
٤) أَنَّ فِي آخِرِ الحَدِيْثِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَنْهُ أَنَّهُ العِلَّةُ الَّتِيْ عَلَيْهَا مَدَارُ الحَدِيْثِ، وَهِيَ حَصْرُ التَّوكُّلِ عَلَى الله تَعَالَى، حَيْثُ غَالِبًا مَا تَتَعَلَّقُ النُّفُوْسُ بِمَنْ يَرْقِيْهَا فَيَغْفَلُوْنَ عَنِ اللهِ تَعَالَى، وَالتَّعلُّقُ بِهِم أَكْبَرُ مِنَ التَّعَلُّقِ بِالأَطِبَّاءِ المَادِيِّينَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُم يُعَالِجُوْنَ بِدُوْنِ أَسْبَابٍ مَادِّيَّةٍ ظَاهِرَةٍ، بَلِ الأَمْرُ مُرْتَبِطٌ بِصَلَاحِهِم وَحُسْنِ نِيَّتِهِم وَقُوَّةِ تَوْحِيْدِهِم، مَعَ ذِكْرِهِم وَاسْتِعَانَتِهِم بِرَبِّهِم (٥)، لِذَلِكَ فَالفِتْنَةُ فِيْهِم أَكْبَرُ، فَيَكُوْنُ الأَمْرُ هُوَ مِنْ بَابِ سَدِّ ذَرَائِعِ الشِّرْكِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
٥) تَفْسِيْرُ رَاوِي الحَدِيْثِ - وَالرَّاوِي أَدْرَى بَمَرْوِيِّهِ - فَإِنَّ سَبَبِ إِيْرَادِ الحَدِيْثِ مِنْ سَعِيْدِ بْنِ جُبَيْر هُوَ إِشَارَتُهُ ﵀ إِلَى أَنَّ تَرْكَ طَلَبِ الرُّقْيَةِ مِنَ اللَّدْغَةِ كَانَ أَوْلَى لِحُصَيْنٍ ﵀؛ وَلَيْسَ بِسَبَبِ شِرْكٍ مَا ذُكِرَ، فَتَنَبَّهْ.
_________
(١) وَهُوَ الَّذِيْ رجَّحَهُ النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ (١٦٨/ ١٤)، خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ البَرِّ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
(٢) كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (إنَّ الرُّقَى والتَّمَائِمَ والتِّوَلَةَ شِرْكٌ). رَوَاهُ أَحْمَدُ (٣٦١٥). صَحِيْحٌ. الصَّحِيْحَةُ (٣٣١).
(٣) وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّرْكِيْبَ اللَّفْظِيَّ فِي (الأَلِفِ وَالسِّيْنِ وَالتَّاءِ) يَكْثُرُ اسْتِخْدَامُهُ فِي مَعْنَى الطَّلَبِ.
(٤) كَمَا فِي الحَدِيْثِ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ مَرْفُوْعًا «أَلَا تُبَايِعُوْنَ رَسُوْلَ اللهِ؟ - وَكُنَّا حَدِيْثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ - قُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ! - حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا -، فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا فَبَايَعْنَاهُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُوْلَ اللهِ، إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ؛ فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ قَالَ: (أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ وَتَسْمَعُوا وَتُطِيْعُوا) - وَأَسَرَّ كَلِمَةً خُفْيَةً - قَالَ: (وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا). قَالَ: فَلَقَدْ كَانَ بَعْضُ أُوْلَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُهُ؛ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ). مُسْلِمٌ (١٠٤٣).
(٥) فَالرُّقْيَةُ بِالأَذْكَارِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ قِبَلِ العَبْدِ الصَّالِحِ بِمَنْزِلَةِ السَّيْفِ الصَّارِمِ فِي اليَدِ القَوِيَّةِ.
1 / 22