203

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Noocyada

- قَالَ التِّرْمِذِيُّ ﵀ عَقِبَ حَدِيْثِ جُنْدُبٍ - الَّذِيْ فِيْهِ قَتْلُ السَّاحِرِ -: (وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ وَغَيْرِهِمْ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ (١) - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا يُقْتَلُ السَّاحِرُ إذَا كَانَ يَعْمَلُ فِي سِحْرِهِ مَا يَبْلُغُ الكُفْرَ، فَإِذَا عَمِلَ عَمَلًا دُوْنَ الكُفْرِ؛ فَلَمْ نَرَ عَلَيْهِ قَتْلًا). (٢) (٣)
- إِذَا تَابَ السَّاحِرُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، لِأَنَّ سِحْرَهُ لَا يَزِيْدُ عَنِ الشِّرْكِ، وَالشِّرْكُ لَهُ تَوْبَةٌ، وَقَدْ صَحَّتْ تَوْبَةُ سَحَرَةِ فِرْعَوْنَ، وَلَكِنْ كَوْنُهُ لَهُ تَوْبَةٌ؛ لَا يَعْنِي أَنَّهُ إِذَا أُحْضِرَ إِلَى الإِمَامِ أَنَّهُ يُرْفَعُ عَنْهُ القَتْلُ، وَلَكِنَّهَا تَنْفَعُهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ عِلْمَ السِّحْرِ لَا يَزُوْلُ بِالتَّوْبَةِ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ الزِّنْدِيْقِ الَّذِيْ يُظْهِرُ الإِسْلَامَ وَيَدَّعِي التَّوْبَةَ مِنَ الكُفْرِ، فَأَمْرُهُ إِلَى الحَاكِمِ. وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
- وَصْفُ السِّحْرِ يَخْتَلِفُ عَنْ تَعَلُّمِ السِّحْرِ، فَالوَصْفُ يُبَيِّنُ حُكْمَهُ، أَمَّا تَعَلُّمُهُ فَقَدْ يُفْتَتَنُ بِهِ المَرْءُ فَيَعْمَلُهُ، وَتَجِدُ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ﵀ لِلسَّاحِرِ (صِفْ لَنَا سِحْرَكَ). (٤)
- حَدِيْثُ السَّبْعِ المُوْبِقَاتِ وَرَدَ فِيْهِ عِدَّةُ أَلْفَاظٍ، وَقَدْ جَمَعَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ مَا صَحَّ مِنْ هَذِهِ الأَلْفَاظِ؛ فَقَالَ ﵀: (وَالمُعْتَمَدُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَا وَرَدَ مَرْفُوْعًا - بِغَيْرِ تَدَاخُلٍ مِنْ وَجْهٍ صَحِيْحٍ - وَهِيَ السَّبْعَةُ المَذْكُوْرَةُ فِي حَدِيْثِ البَابِ، وَالانْتِقَالُ عَنِ الهِجْرَةِ وَالزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالعُقُوْقُ وَاليَمِيْنُ الغَمُوْسُ وَالإِلْحَادُ فِي الحَرَمِ وَشُرْبُ الخَمْرِ وَشَهَادَةُ الزُّوْرِ وَالنَّمِيْمَةُ وَتَرْكُ التَّنَزُّهِ مِنَ البَوْلِ وَالغُلُوْلُ وَنَكْثُ الصَّفْقَةِ وَفِرَاقُ الجَمَاعَةِ. فَتِلْكَ عِشْرُوْنَ خَصْلَةً). (٥)

(١) قَالَ ﵀ فِي المُوَطَّأِ (٨٧١/ ٢): (السَّاحِرُ: الَّذِيْ يَعْمَلُ السِّحْرَ؛ وَلَمْ يَعْمَلْ ذَلِكَ لَهُ غَيْرُهُ؛ هُوَ مِثْلُ الَّذِيْ قَالَ اللهُ ﵎ فِي كِتَابِهِ: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ فَأَرَى أَنْ يُقْتَلَ ذَلِكَ؛ إِذَا عَمِلَ ذَلِكَ هُوَ نَفْسُهُ).
(٢) التِّرْمِذِيُّ (١١٢/ ٣).
(٣) وَفِي الأَدَبِ المُفْرَدِ لِلبُخَارِيِّ (١٦٢)؛ أَنَّ عَائِشَةَ ﵂؛ سَحَرَتْهَا جَارِيَةٌ لَهَا، فَأَمَرَتْ بِهَا فَبَاعُوْهَا. صَحِيْحٌ. صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (١٢٠).
وَبَوَّبَ عَلَيْهِ البَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى (٢٣٦/ ٨) (بَابُ مَنْ لَا يَكُوْنُ سِحْرُهُ كُفْرًا، وَلَمْ يَقْتُلْ بِهِ أَحَدًا؛ لَمْ يُقْتَلْ).
وَفِي الأُمِّ (٢٩٣/ ١) لِلشَّافِعِيِّ ﵀: (وَأَمَّا بَيْعُ عَائِشَةَ الجَارِيَةَ - وَلَمْ تَأْمُرْ بِقَتْلِهَا - فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُوْنَ لَمْ تَعْرِفْ مَا السِّحْرُ؛ فَبَاعَتْهَا، لِأَنَّ لَهَا بَيْعَهَا عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ تَسْحَرْهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ السِّحْرَ شِرْكٌ مَا تَرَكَتْ قَتْلَهَا إِنْ لَمْ تَتُبْ، أَوْ دَفَعَتْهَا إِلَى الإِمَامِ لِيَقْتُلْهَا).
(٤) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٧١/ ١): (قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: إِذَا تَعَلَّمَ السِّحْر؛ قُلْنَا لَهُ: صِفْ لَنَا سِحْرَكَ، فَإِنْ وَصَفَ مَا يُوْجِبُ الكُفْرَ مِثْل مَا اعْتَقَدَهُ أَهْلُ بَابِلٍ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى الكَوَاكِبِ السَّبْعَةِ؛ وَأَنَّهَا تَفْعَل مَا يُلْتَمَسُ مِنْهَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَإِنْ كَانَ لَا يُوْجِبُ الكُفْرَ؛ فَإِنْ اعْتَقَدَ إِبَاحَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ).
(٥) فَتْحُ البَارِي (١٨٣/ ١٢).

1 / 203